اللَاّبث يقال لمن وجد منه اللبث، ولا يقال: لبث إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفكّ منه» .
وما قاله الزمخشري أصوب.
وأمَّا قولُ مكيٍّ: اللبث ليس بخلقة، فمسلم لكنه بولغ في ذلك، فجعلَ بمنزلة الأشياء المختلفة.
و «لابثين» اسم فاعل من «لبث» ، ويقويه أنَّ المصدر منه «اللّبث» - بالإسكان - ك «الشرب» . قوله:«أحْقَاباً» منصوب على الظرف، وناصبه «لَابِثيْنَ» ، هذا هو المشهور، وقيل: منصوب بقوله: «لا يذوقون» ، وهذا عند من يرى تقدم معمول ما بعد «لا» عليها وهو أحد الأوجه، وقد مر هذا مستوفًى في أواخر الفاتحة وجوَّز الزمخشري أن ينتصب على الحال. قال:«وفيه وجه آخر: وهو أن يكون من: حَقِبَ عامنا إذا قلَّ مطرهُ وخيرهُ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق، فهو حقبٌ وجمعه:» أحْقَاب «، فينتصب حالاً عنهم، بمعنى: لابثين فيها بحقبين جحدين» . وتقدم الكلام على الحقب في سورة «الكهف» .
قال القرطبي: و «الحِقْبَةُ» - بالكسر -: السَّنة، والجمع حِقَب؛ قال متممُ بنُ نويرةَ:[الطويل]
قال الفراءُ: أصل الحقبة من الترادُف والتتابُع، يقال:«أحْقَبَ» : إذا أردف، ومنه الحقبة، ومنه كل من حمل وزراً فقد احتقب، فعلى هذا معناه: لابثين فيها أحقاباً، أي: دُهوْراً مُترادِفَةً يتبع بعضهم بعضاً.
فصل في تحرير معنى الآية
المعنى: ماكثين في النَّار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكُلَّما مضى حُقبٌ جاء حُقبٌ، و «الحُقُبُ» - بضمتين -: الدَّهْرُ: والأحقابُ، الدهور، والمعنى: لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها، فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليها، إذ في الكلام ذكر الآخرة، كما يقال: أيَّامُ الآخرة، أي: أيام بعد أيام إلى غير نهاية، أي: لابثين فيها أزماناً ودهوراً، كُلَّما مضى زمنٌ يعقبهُ زمنٌ، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبداً من غير انقطاع، فكأنه