قال: أبداً، وإنَّما كان يدل على التوقيت لو قال: خمسة أحقاب، أو عشرة ونحوه، وذكر الأحقاب؛ لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم، فذكر ما يفهمونه، وهو كناية عن التأبيد، أي: يمكثون فيها أبداً.
وقيل: ذكر الأحقاب دون الأيام؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب، وأدل على الخلود، وهذا الخلود في حق المشركين، ويمكن حمله على العصاة الذين يخرجونَ من النار بعد العذاب.
وقيل: الأحقاب وقت شربهم الحميم والغسَّاق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب، ولهذا قال تعالى: {لَاّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} أي: في الأرض لتقدم ذكرها ويكون {لَاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً} جهنم.
قوله: {لَاّ يَذُوقُونَ} . فيه أوجه:
أحدها: أنه مستأنف، أخبر عنهم بذلك.
الثاني: أنه حال من الضمير في «لابِثيْنَ» غير ذائقين، فهي حال متداخلة.
الثالث: أنه صفة ل «أحْقَاب» .
قال مكي: واحتمل الضمير؛ لأنه فعل فلم يجب إظهاره كأن قد جرى صفة على غير من هو له، وإنَّما جاز أن يكون نعتاً ل «أحْقَاب» لأجل الضمير العائد على «الأحقاب» في «فيها» ، ولو كان في موضع «يَذُوقُونَ» اسم فاعل لكان لا بُدَّ من إظهار الضمير إذا جعلته وصفاً ل «أحقاب» .
الرابع: أنه تفسير لقوله تعالى: {أَحْقَاباً} إذا جعلته منصوباً على الحال بالتأويل المتقدم عن الزمخشري، فإنه قال: «وقوله تعالى: {لَاّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً} . تفسير له» .
الخامس: أنه حال أخرى من «للطاغين» ك «لابثين» .
فصل في معنى هذا البرد
قال أبو عبيدة: البَرْدُ: النومُ؛ قال الشاعر: [الطويل]
٥٠٧٦ - فَلوْ شِئْتُ حَرَّمتُ النِّساءَ سِواكُمُ ... وإنْ شِئْتُ لَمْ أطْعَمْ نِعَاجاً ولا بَرْدَا
وهو قول مجاهد والسديِّ والكسائيِّ والفضل بن خالدٍ وأبي معاذٍ النحويِّ.
والعرب تقول: منع البَرْدُ البَرْدَ، يعني: أذهب النوم.
وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: البرد برد الشراب.