للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهما كانا آدميّين زنيا في الكَعْبَة، فمسَخَهُما اللهُ حَجَرَين، فوضَعَهُما على الصَّفَا، والمَرْوَة؛ ليُعتبر بهما؛ فلمَّا طالبت المُدَّةُ، عُبدا مِن دُون الله، والله - تعالى - أعلم.

فصل في معنى «الشعائر»

و «الشَّعَائرُ» : جَمْهُ شَعِيرَةٍ، وهي العلامة، فَكُلُّ شَيْءٍ جُعِلَ عَلَماً مِنْ أعلام طاعةِ الله، فهو من شَعَائِر الله تعالى. قال تبارك وتعالى: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} [الحج: ٣٦] ، أي: عَلامَةً [للقُرْبَةٍ، ومنه: إشعارُ السَّنَام [وَهُو أن تُعْلَمَ بالمُدْيَة] وَمِنْهُ: الشِّعارُ في الحَرْب، [وهي العلامةُ الَّتي يتبيَّن بها إحدى الفئَتَين من الأخْرَى] ومنه قولُهُمْ: شَعَرْتُ بِكَذَا، أي: عَلِمْتُ به، وقيل: الشَّعَائِرُ جمع [شَعِيرَةٍ] ، والمرادُ بها في الآية الكريمة مَنَاسِكُ الحَجِّ، ونقل الجَوْهَرِيُّ أنَّ الشَّعَائِرَ هي العباداتُ، والمَشَاعِرَ أماكنُ العبَادَاتِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّعَائِرِ وَالمَشَاعِرِ.

وقال الهَرَوِيٌّ: الأجْوَدُ: لا فَرْقَ بينهما، والأَجْوَدُ شَعَائرُ بالهَمْز؛ لزيادة حَرْفِ المَدِّ، وهو عكسُ «مَعَايش» و «مصايب» .

فصل في الشعائر هل تحمل على العبادات أو على موضع العبادات

الشَّعَائِرُ: إمَّا أنْ نَحْمِلَهَا على العبادات، أو النُّسُك، أو نَحْمِلَهَا على مَوْضِع العبادات والنُّسُكِ؟!

[فإن قُلْنَا بالأَوَّلِ، حَصَلَ في الكَلَام حَذْفٌ؛ لأنَّ نَفْسَ الجَبَلين لا يَصِحُّ وَصْفُهُمَا بأنَّهُمَا دِينٌ وَنُسُكٌ؛ فالمرادُ بِهِ أنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا أو السَّعْيَ مِنْ دِينِ اللهِ تَعَالَى.

وإنْ قُلنا بالثاني: اسْتَقَامَ ظَاهِرُ الكلام؛ لأنَّ هَذَين الجَبَلَيْنِ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَا مَوْضِعَيْنِ لِلْعِبَادَةِ والنُّسُكِ] .

وكيف كان؛ فالسَّعْيُ بينهما من شعائر الله، ومن أعلام دِينهِ، وقد شَرَعَهُ الله [تَعَالى] لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -[لإبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ] ، قبل ذلك، وهو من المَنَاسِكِ الَّتي عَلَّمها الله [تَعَالى] لإبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إجابةً لِدَعْوَتِهِ في [قولِهِ تَعَالى] : {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: ١٢٨] . وَاعْلَمْ أنَّ [السَّعْيَ ليْسَ] عبادَةٌ تامَّةٌ في نَفْسِهِ، بل إنما يَصِيرُ عبادة إذا صار بعضهاً من أبْعاضِ الحجِّ والعُمْرَةِ، فلهذا بَيَّنَ الله تبارك وتعالى المَوْضِعَ الَّذِي يَصِيرُ فيه السَّعْيُ عبادةً، فقال [سبحانه] : {فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .

والحكمةُ في شَرْعِ هذا السّعي: ما حُكِيَ أن هَاجَرَ حينَ ضاق بها الأَمْرُ في عَطَشها، وعطشِ ابْنها إسْمَاعيلَ، سَعَتْ في هذا المكانِ إلى أن صَعِدَتِ الجَبَلَ، ودَعَتْ، فأَنْبَعَ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>