هذه الآية، بل على أنَّه تعالى ما بيَّن له إلَاّ تحريم هذه الأشياء، وهذا لا ينافي أن يبيِّن له بعد ذلك تحريم شيءٍ آخر، فلعلَّ قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة}[المائدة: ٣] نزلت بعد ذلك، فكان ذلك بياناً لتحريم الدَّم مسفوحاً، أو غير مسفوح.
وإذا ثبت هذا، وجب الحكم بحرمة جميع الدِّماء، ونجاستها، فيجب إزالة الدَّم عن اللَّحم ما أمكن، وكذا في السَّمك، وأيُّ دمٍ وقع في الماء، أو الثَّوب، فإنه ينجس ذلك المورد.
واختلفوا في قوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» ، هل تسمية الكبد والطِّحال دماً حقيقةٌ، أم تشببيه.
فصل في شراء الخنزير، وأكل خنزير الماء
أجمعت الأُمَّة على أنَّ الخنزير بجميع أجزائه محرم، وإنَّما ذكر الله تبارك وتعالى لحمه؛ لأن معظم الانتفاع متعلِّق به، واختلفوا في أنَّه هل يجوز أن يشترى؟
فقال أبو حنيفة، ومحمد: يجوز، وقال الشافعيُّ: لا يجوز، وكره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - الخزز به، وروي عنه الإباجة.
واختلفوا في خنزير الماء، فقال ابن أبي ليلى، ومالك، والشافعي، والأوزاعيُّ: لا بأس بأكل شيءٍ يكون في البحر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤكل.
حجَّة الشافعيِّ قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ}[المائدة: ٩٦] وحجَّة أبي حنيفة: أنَّ هذا خنزير، فيدخل في آية التَّحريم.
قال الشَّافِعيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْه -: إذا أطلق الخنزير، لم يتبادر إلى الفهم لحم السَّمك، بل غير السَّمك بالأتِّفاق، ولأنَّ خنزير الماء لا يسمَّى خنزيراً على الإطلاق، بل يسمَّى خنزير الماء.
فصل
من الناس: من زعم أنَّ المراد ب {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} ذبائحُ عَبَدَةِ الأوثان على النصب، قال ابن عطيَّة - رَضِيَ اللهُ عَنْه -: رأيتُ في أخبار الحسن بن أبي الحسن: أنه سئل عن امرأة مترفهة صنعت للعبها عرساً، فذبحت جزوراً، فقال الحسن - رَضِيَ اللهُ عَنْه -: لا يحلُّ أكلها، فإنها نحرت لصنم، وأجازوا ذبيحة النَّصارى، إذا سمَّوا عليها باسم المسيح، وهو مذهب عطاء، ومحكول، والحسن، والشَّعبيِّ، وسعيد بن المسيِّب. وقال مالكٌ، الشافعيُّ وأحمد وأبو حنيفة لا يحل كل ذلك، لأنهم إذا ذبحوا على اسم المسيح فوجب أن يحرم.