للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال عليُّ بن أبي طالب - كرم الله وجهه -: إذا سمعتم اليهود والنصارى يلهُّون لغير الله، فلا تأكلوا، وإذا لم تسمعوهمن فكلوا، فإنَّ الله تبارك وتعالى، قد أحلَّ ذبائحهم، وهو يعلم ما يقولون؛ واحتحَّ المخالف بقوله تبارك وتعالى: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: ٥] وهذا عامٌّ، وبقوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} [المائدة: ٣] فدلَّت هذه الآية الكريمة على أنَّ المراد بقوله: {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} هو المراد ب {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} ، ولأن النَّصارى، إذا سمَّوا الله تعالى، فإنَّما يريدون به المسيح، فإذا كانت إرادتهم لذلك، لم تمنع حلَّ ذبيحتهم، مع أنَّه يهلُّ به لغير الله تعالى، فكذلك ينبغي أن يكون حكمه، إذا ظهر ما يضمره عند ذكر الله تعالى في إرادته المسيح.

والجواب عن الأوَّل: أن قوله تعالى: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: ٥] عامٌ، وقوله: {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} خاصٌّ، والخاصُّ مقدَّم على العامِّ.

وعن الثاني أن قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} لا يقتضي تخصيص قوله: {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} ؛ لأنهما آيتان متباينتان.

وعن الثالث: إنَّما كُلِّفنا بالظَّاهر، لا بالباطن، فإذا ذبحه على اسم الله تعالى، وجب أن يحلَّ، ولا سبيل لنا إلى الباطن.

قوله: «فَمَنِ اضْطُرَّ» في «مَنْ» وجدهان:

أحدهما: أن تكون شرطيةً.

والثاني: أن تكون موصُولةً بمعنى «الذي» .

فعلى الأوَّل: يكون «اضطُرَّ» في محلِّ جزم بها، وقوله: {فلاا إِثْمَ عَلَيْهِ} جواب الشرط، والفاء فيه لازمةٌ.

وعلى الثاني: لا محلَّ لقوله «اضْطُرَّ» من الإعراب، لوقوعه صلةً، ودخلت الفاء في الخبر؛ تشبيهاً للموصول بالشَّرط، ومحلُّ {فلاا إِثْمَ عَلَيْهِ} الجزم على الأوَّل، والرفع على الثاني. والجمهور على «اضْطُرَّ» بضمِّ الطاء، وهي أصلها، وقرأ أبو جعفر بكسرها؛ لأنَّ الأصل «اضْطُرِرَ» بكسر الراء الأولى، فلمَّا أدغمت الراء في الرَّاء، نقلت حركتها إلى الطَّاء بعد سلبها حركتها، وقرأ ابن مُحَيْصِن: «اطُّرَّ» بإدغام الضَّاد في الطَّاء، وقد تقدَّم الكلام في المسألة هذه عند قوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ} [البقرة: ١٢٦] .

وقرأ أبو عَمْرٍو، وعاصمٌ، وحمزة بكسر نون «مَنِ» على أصل التقاء الساكنين، وضمَّها الباقون؛ إتباعاً لضمِّ الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>