وليس هذا الخلاف مقصور على هذه الكلمة، بل إذا التقى ساكنان من كلمتين؛ وضُمَّ الثالث ضمَّاً لازماً نحو:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ}[الأنعام: ١٠]{قُلِ ادعوا}[الإسراء: ١١٠] ، {وَقَالَتِ اخرج}[يوسف: ٣١] ، جرى الخلاف المذكور، إلَاّ أنَّ أبا عمرو خرج عن أصله في {أَو}[المزمل: ٣] و {قُلِ ادعوا}[الإسراء: ١١٠] فضمَّهما، وابن ذكوان خرج عن أصله، فكسر التنوين خاصَّة؛ نحو {مَحْظُوراً انظر}[الإسراء: ٢٠ - ٢١] واختلف عنه في {بِرَحْمَةٍ ادخلوا}[الأعراف: ٤٩]{خَبِيثَةٍ اجتثت}[إبراهيم: ٢٦] فمن كسر، فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن ضمَّ، فلإتباع، وسيأتي بيان الحكمة في ذلك. عند٠ ذكره، إن شاء الله - تعالى - والله أعلم.
قوله:«غَيْرَ باغٍ» : «غَيْرَ» : نصب على الحال، واختلف في صاحبها:
فالظاهر: أنه الضمير المستتر [في «اضْطُرَّ» ] ، وجعله القاضي، وأبو بكر الرازيُّ من فاعل فعل محذوف بعد قوله «اضْطُرَّ» ؛ قالا: تقديره: «فَمَنَ اضْطُرَّ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ» ؛ كأنهما قصَدَا بذلك أن يجعلاه قيداً في الأكل لا في الاضطرار.
قال أبو حيَّان: ولا يتعيَّن ما قالاه؛ إذ يحتمل أن يكون هذا المقدَّر بعد قوله {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} بل هو الظاهر والأولى؛ لأنَّ في تقديره قبل «غَيْرَ بَاغٍ» فضْلاً بين ما ظاهره الاتصال فيما بعده، وليس ذلك في تقديره بعد قوله:«غَيْرَ بِاغٍ» .
و «عَادٍ» : اسم فاعل من: عَدَا يَعْدُو، إذا تجاوز حدَّه، والأصل:«عَادِوٌ» فقلب الواو ياءً؛ لانكسار ما قبلها؛ كغاز من الغزو، وهذا هو الصحيح؛ وقيل: إنَّه مقلوب من، عاد يعود، فهو عائدٌ، فقدِّمت اللام على العين، فصار اللَّفظ «عَادِوٌ» فأعلَّ بما تقدَّم، ووزنه «فَالِعٌ» ؛ كقولهم:«شَاكٍ» في «شَائِكٍ» من الشَّوكة، و «هارٍ» ، والأصل «هَائِر» ، لأنَّه من: هَارَ يَهُورُ.
قال أبُو البَقَاءِ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: «ولو جاء في غير القرآن الكريم منصوباً، عطفاً على موضع» غَيْرَ «جاز» ، يعني: فكان يقال: «وَلَا عَادِياً» .
قوله:«اضْطُرَّ» أُحْوِجَ وأُلْجِىءَ، فهو:«افْتُعِلَ» من الضَّرورة، وأصله: من الضَّرر، وهو الضِّيق، وهذه الضَّرورة لها سببان:
أحدهما: الجوع الشَّديد، وألَاّ يجد مأكولاً حلالاً يسدُ به الرَّمَق، فيكون عند ذلك مضطراً.