الثاني: قولُ الفراء - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - أَنَّهَا استفهاميَّةٌ صَحِبَها معنى التعجُّب؛ نحو «كَيْف تَكْفُرُونَ بِاللهِ» .
قال عطَاءٌ، والسُّدِّيُّ: هو «ما» الاستفهام، معناه: ما الَّذي صَبَّرهم على النَّار؟ وأيُّ شيء صَبَّرهم على النَّار؛ حتى تَرَكثوا الحَقَّ، واتبعوا البَاطِلَ.
قال الحَسَن، وقَتادة:«والله ما لهم عَلَيْها من صَبْر، ولكنْ ما أجرأهم على العمل الَّذي يقرِّبهم إلى النار» وهي لغة يَمَنية معروفةٌ.
قال الفراء: أخبرني الكسائيُّ قال: أخبرني قاضي «اليَمَنِ» أَنَّ خَصْمَينِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فوجَبَتِ اليمينُ على أحدهِمَا، فحلَفَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُك ما أصْبَرَكَ عَلَى اللهِ؟ أي: ما أجرأك عليه.
وحكي الزَّجَّاجُّ: ما أبقاهُمْ على النَّار، من قولِهِم:«مَا أَصْبَرَ فُلَاناً على الحَبْس» ، أي: ما أبقاهُ فيه.
والثالث: ويُعْزَى له أيضاً: أنها نكرةٌ موصوفةٌ وهي على الأقوال الأربعة في مَحَلِّ رفع بالابتداءِ، وخبرها على القَوْلين الأولَيْن: الجملةُ الفعليَّة بعدَها، وعلى قوْلي الأخْفَش] : يكون الخبر مَحذوفاً فإنَّ الجملة بعدها إما أن تكون صلةً، أو صفةً وكذلك اختلفُوا في أفْعَل الواقع بعدها، أهو اسمٌ؟ وهو قول الكوفيِّن، أم فعل؟ وهو الصحيحُ، ويترتَّب على هذا الخلَافِ خلافٌ في نصْب الاسْمِ بعده، هَلْ هو مفعولٌ به، أو مشبَّهة بالمعفول به، ولكلٍّ مِنَ المذْهَبَين دلائلُ، واعتراضات وأجوبةٌ ليس هذا موضعها.
ولمراد بالتعجُّب هنا، وفي سائر القُرْآن: الإعلامُ بحالهم؛ إنَّها ينبغي أنْ يتعجَّب منها، إلا فالتعجب مستحيلٌ في حقِّه تعالى، ومعنى عَلَى النَّارِ، أي: على عمل أهْل النار، قاله الكِسَائيُّ، وهذا من مجاز الكَلَامِ.