وقد يكون مندوباً؛ مثل: الوفاء بالعهد في بذل الماء، والإخلاص في المناصرة.
فقوله {والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ} يتناول كل هذه الأقسام؛ فلا تقتصر الآية على بعضها، وهذا هو الذي عبر عنه المفسِّرون، فقالوا: هم الذين إذا وعدوا، أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا، وفَّوا، وإذا قالوا، صدقوا، وإذا ائتمنوا، أدَّوا.
فصل في بلاغة قوله «والمُوفُونَ» دون «وأَوْفَى»
قال ارَّاغب: وإنَّما لم يقل «وأوْفَى» ؛ كما قال «وأَقَامَ» ؛ لأمرين:
أحدهما: اللفظ، وهو أن الصِّلة، متى طالت، كان الأحسن أن يعطف على الموصول، دون الصلة؛ لئلَاّ يطول ويقبح.
والثاني: أنَّه ذكر في الأول ما هو داخل في حيِّز الشريعة، وغير مستفاد إلا منها والحكمة العقليَّة تقتضي العدالة دون الجور، ولما ذكر وفاء العهد، وهو مما تقضي به العقول المجرَّدة، صارعطفه على الأوَّل أحسن، ولما كان الصَّبر من وجه مبدأ الفضائل، ومن وجه: جامعاً للفضائل؛ إذ لا فضيلة إلا وللصَّبر فيها أثر بليغ - غيَّر إعرابه تنبيهاً على هذا المقصد؛ وهذا كلام حسن.