قال القرطبيُّ: تضمَّنت هذه الآية الكريمة ستَّ عشرة قاعدةً من أُمَّهات الأحكام:
الإيمان بالله وبأسمائه، وصفاته، والحشر، والنشر، والصراط، والحوض، والشَّفاعة، والجنة، والنار، والملائكة، والرُّسل، والكتب المنزلة، وأنَّها حقٌّ من عند الله؛ كما تقدم، والنَّبيين، وإنفاق المال فيما يعنُّ له من الواجب، والمندوب، وإيصال القرابة، وترك قطعهم، وتفقُّد اليتيم، وعدم إهماله المساكين كذلك، ومراعاة ابن السبيل، وهو: المسافر المنقطع به، وقيلك الضعيف، والسُّؤَّال، وفكّ الرقاب، والمحافظة على الصَّلوات، وإيتاء الزَّكاة، والوفاء بالعهود، والصَّبر في الشَّدائد، وكلُّ قاعدةٍ من هذه القواعد تحتاج إلى كتاب.
وقوله {فِي البأسآء والضراء} : قال ابن عبَّاس: يريد الفقر بقوله: «البَأْسَاءِ» ، والمرَضَ بقوله:«وَالضَّرَّاءِ» ، وفيها قولان:
أحدهما: وهو المشهور أنَّهما اسمان مشتقَّان من البؤس والضُّرَّ وألفهما للتأنيث، فهما اسمان على «فَعْلَاء» ولا «أفْعَل» لهما؛ لأنَّهما ليسا بنعتين.
والثاني: أنهما وصفن قائمان مقام موصوف، والبؤس، والبأْساء: الفقر؛ يقال بئس يبأس، إذا افتقر؛ قال الشاعر:[الطويل]
قوله:«وَحِينَ البَأْس» منصوب بالصَّابِرِينَ، [أي] : الذين صَبَرُوا وقْتَ الشِّدَّة، والبأْسُ: شدَّة القتال خاصَّة، بؤس الرَّجل، أي: شجع. قال ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهما -: يريد القتال في سبيل الله، وأصل البأس في اللغة: الشِّدَّة؛ يقال: لا بأس عليك في هذا، أي: لا شدَّة و {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}[الأعراف: ١٦٥] أي: شديد، ثم يسمَّى الحرب بأساً، لما فيه من الشِّدَّة، والعذاب يسمَّى بأساً؛ لشدَّته، قال تبارك وتعالى:{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا}[غافر: ٨٤]{فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ}[الأنبياء: ١٢]{فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا}[غافر: ٢٩] .
قوله:{أولئك الذين صَدَقُوآ} مبتدأ وخبر، وأتى بخبر «أُولَئِكَ» الأولى موصولاً بصلةٍ، وهي فعلٌ ماضٍ؛ لتحقُّ اتصافهم به، وأن ذلك قد وقع منهم، واستقرَّ، وأتى بخبر الثانية بموصولٍ صلته اسم فاعلٍ، ليدَّ على الثبوت، وأنه ليس متجدِّداً، بل صار كالسَّجيَّة لهم، وأيضاً: فلو أتى به فعلاً ماضياً، لما حسن وقوه فاصلةً.
قال الواحدي - رَحِمَهُ اللهُ -: إن الواوات في الأَوْصَاف في هذه الآية للجمع،