والثاني: قال الأصمُّ: إِنَّ المُرَادَ: فَرَضْنَا عَليْكُم الوصِيَّة في حَالِ الصَّحَّة بأن تقُولُوا: «إِذا حَضَرَنا المَوْتُ، فافْعَلُوا كذا» .
فصل في المراد بالخير في الآية
المرادُ بالخَير هنا المالُ؛ كقوله: {وَمَا تُنْفِقُونَ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: ٢٧٢] {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨] {مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] قال أبو العبَّاس المُقرىءُ: وقد وَرَدَ لفظ «الخَيْر» في القرآن بإزاء ثمانية معان:
الأَوَّل: الخَيْرُ: المالُ؛ كهذه الآية.
الثاني: الإيمانُ، قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} [الأنفال: ٢٣] أي: إيماناً، وقوله {} [الأنفال: ٧٠] ، يعني: إيماناً.
الثالث: الخير الفضل؛ ومنه قوله: {خَيْرُ الرازقين} [المائدة: ١٤] [الحج: ٥٨] [المؤمنون: ٧٢] [سبأ: ٣٩] [الجمعة: ١١] {خَيْرُ الراحمين} [المؤمنون: ١٠٩، ١١٨] {خَيْرُ الحاكمين} [الأعراف: ٨٧] [يونس: ١٠٩] [يوسف: ٨٠] .
الرابع: الخير: العافية؛ قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} [يونس: ١٠٧] ، أي: بعافية.
الخامس: الثَّواب قال تعالى: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: ٣٦] ، أي: ثواب وأجر.
السادس: الخير: الطَّعام؛ قال: {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] .
السابع: الخير: الظَّفر والغنيمة؛ قال تعالى: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} [الأحزاب: ٢٥] .
الثامن: الخير: الخيل؛ قال تعالى: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} [ص: ٣٢] ، يعني: الخيل.
ثم اختلفوا هان على قولين:
فقال الزهريُّ: لا فرق بين القليل، والكثير، فالوصيَّة واجبة في الكلِّ، لأن المال القليل خير؛ لقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨] {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: ٢٤] والخير: ما ينتفع به، والمال القليل كذلك، وأيضاً: قوله تعالى في المواريث: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} [النساء: ٧] فتكون الوصية كذلك.