الثاني: أن الخير هو المال الكثير؛ لأن من ترك درهماً لا يقال ترك خيراً، ولا يقال: فلانٌ ذو مالٍ، إلَاّ أن يكون ماله مجاوزاً حدَّ الحاجة، ولو كان الوصيَّة واجبةً في كلِّ ما يترك، سواء كان قليلاً أو كثيراً، لما كان التقييد بقوله:{إِنْ تَرَكَ خَيْراً} كلاماً مفيداً؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ لا بُدَّ وأن يترك شيئاً، وأمَّا من يموت عرياناً، ولا يبقى منه كسرة خبزٍ فذلك في غاية النُّدرة، وإذا ثبت أن المراد بالخير هنا المال الكثير، فهل هو مقدَّر، أم لا؟ فيه قولان:
الأول: أنه مقدَّر، واختلفوا في مقداره؛ فروي عن عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْه -: أنه دخل على مولى لهم في الموت، وله سبعمائة درهم، فقال أَوَلاً أوصي؟ فقال: لا؛ إنَّما قال الله:{إِنْ تَرَكَ خَيْراً} والخير: هو المال الكثير، وليس لك مالٌ.
وعن عائشة: أنَّ رجلاً قال لها: إنِّي أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلافٍ، قالت: كم عيالك؟ قال أربعٌ، قالت: قال الله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْراً} وإن هذا يسير، فاتركه لعائلتك، فهو أفضل.
وعن ابن عبَّاس:«إذا ترك سبعمائة درهم، فلا يوصي، فإن بلغ ثمانمائة درهمٍ، أوصى» وعن قتادة: ألف ردهمكٍ، وعن النَّعيِّ: من ألفٍ وخمسمائة درهم.
وقال قوم: إنه غير مقدَّر بمقدار معيَّن بل يختلف باختلاف حال الرجال.
فصل في تحرير معنى «الوصيَّة» .
قال القُرْطُبيُّ: و «الوصيَّة» عبارةٌ عن كلِّ شيءٍ يؤمر بفعله، ويعهد به في