للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهذا ضعيف؛ لتقدمه على عاملة الموصول، ولأنه لا يتبادر إلى الذِّهن.

قال أبو حيَّان: والأولى عندي: أن يكون مصدراً من معنى «كُتِبَ» ؛ لأن معنى «كُتِبَ الوَصِيَّةُ» ، أي: حقَّت ووجبت، فهو مصدر على غير الصدر، نحو: «قَعَدت جُلُوساً» .

فإن قيل: ظاهر هذا لتَّكليف يقتضي تخصيص هذا التَّكليف بالمتَّقين، دون غيرهم؟

فالجواب أن المراد بقوله تعالى: {حَقّاً عَلَى المتقين} أنَّه لَازِمٌ لمن آثر التقوى، وتحرَّاه، وجعله طريقةٌ له ومذهباً، فيدخل الكل فيه.

وأيضاً: فإن الآية الكريمة وإن دلَّت على وجوب هذا المعنى على المتقين، فالإجماع دلَّ على أنَّ الواجبات والتَّكاليف عامَّةٌ في حقِّ المتَّقين وغيرهم، فبهذا الطَّريق يدخل الكلُّ تحت هذا التَّكليف.

فصل في اختلافهم في تغيير المدبر وصيته

قال القُرْطُبيُّ: أجمعوا على أن للإنسان أن يغيِّر وصيَّته، ويرجع فيما شاء منها إلَاّ أنهم اختلفوا في المدبر.

فقال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا: أن الموصي، إذا أوصى في صحَّته، أو مرضه بوصيَّةٍ، فيها عتق رقيق، فإنه يغيِّر من ذلك ما بدا له، ويصنع من ذلك ما يشاء حتى يموت، وإن أحبَّ أن يطرح تلك الوصيَّة، ويسقطها فَعَل، إلَاّ أن يدبِّر، فإن دبَّر مملوكاً، فلا سبيل له إلى تغيير ما دبَّر.

قال أبو الفرج المالكيُّ: المدبِّر في القياس كالمعتق إلى شهر؛ لأنه أجلٌ آتٍ لا محالة، وأجمعوا على أنَّه لا يرجع في اليمين بالعتق، والعتق إلى أجلٍ؛ فكذلك المدبِّر، وبه قال أبو حنيفة، وقال الإمام الشافعيُّ وإسحاق وأحمد: هو وصيَّةٌ.

فصل

اختلفوا في الرَّجل، يقول لعبده: «أنْتَ حُرٌّ بَعْدَ موْتِي» ، وأراد الوصيَّة، فله الرُّجوع عند مالك، وإن قال: «فُلَانٌ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي» لم يكن له الرُّجُوع فيه، فإن أراد التدبير لقوله الأول، لم يرجع أيضاً عند أكثر أصحاب مالك، وأما الشَّافِعيُّ، وأحمد، وإسحاق،

<<  <  ج: ص:  >  >>