الثالث: أنه منصوبٌ بالصِّيامِ على أنْ تقدَّر الكافُ نعتاً لمصدر من الصِّيام؛ كما قد قال به بعضُهُمْ، وإن كان ضعيفاً؛ فيكون التَّقدير:» الصِّيَامُ صَوْمَاً؛ كَمَا كُتِبَ «؛ فجاز أن يعمل في» أَيَّاماً «» الصِّيَامُ «؛ لأنه إذْ ذاك عاملٌ في» صوماً «الذي هو موصوفٌ ب» كمَ كُتِبَ «، فلا يقع الفصلُ بينهما بأجنبيٍّ، بل بمعمول المصدر.
الرابع: أن ينتصب ب» كُتِبَ «إِمَّا على الظَّرف، وإمَّا على المَفعُول به تَوَسُّعاً، وإليه نحا الفرَّاء، وتبعه على ذلك أبو البَقَاء.
قال أبو حيَّان: وكلا القَولين خطأٌ: أَمَّا النَّصب على الظرفيَّة، فإِنَّهُ محلٌّ للفعلِ، والكِتابة لَيْسَت واقعةً في الأيَّام، لكنَّ متعلَّقها هو الواقع في الأَيّام، وأَمَّا [النَّصب على المفعول اتساعاً، فإِنَّ ذلك مبنيٌّ على كونه ظرفاً ل» كُتِبَ «، وقد تقدَّم أَنَّهُ خطأٌ، وقيل: نصبٌ على] التَّفسير.
و» مَعْدُدَاتٍ «صفةٌ، وجمعُ صفةِ ما لا يعقل بالألف والتَّاء مطَّردٌ؛ نحو هذا، وقوله:{جِبَالٌ راسِيَاتٌ} ، و {أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}[الحج: ٢٨] .
فصل في اختلافهم في المراد بالأيَّام
اختلفوا في هذه الأيام على قولين:
أحدهما: أنها غير رمضان، قاله معاذ، وقتادة، وعطاء، ورواه عن ابن عبَّاس، ثم اختلفَ هؤلاءِ: فقيل ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهر، وصوم يوم عاشُوراء، قاله قتادة، ثُمَّ اختلفوا أيضاً: هل كان تَطوعاً أو مَرضاً، واتفقُوا على أنَّه منسوخٌ برمضان.
واحتجُّ القائلُونَ بأنَّ المراد بهذه الأيَّام غيرُ رمضانَ بوجوه:
أحدها: قوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:» إِنَّ صَوْمَ رَمَضَان نَسَخَ كُلَّ صَوْمٍ «فدلّ هذا على أنَّ قبل رمضان كاصوماً آخر واجباً.
وثانيها: أنَّه تعالى ذكر حُكم المريض والمُسافر في هذه الآية، ثم ذكر حكمها أيضاً في الآيَة الَّتي بعدها الدالَّة على صوم رمضان، فلو كان هذا الصَّوم هو صومَ رمضان، لكان ذلك تكريراً محضاً مِنْ غير فائدة، وهو لا يجوز.
وثالثها: قوله تعالى هنا {وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}[البقرة: ١٨٤] تدلُّ على أنَّ