خُيِّر بين أنْ يَصُوم وبيْن أن يُفطْر ويفدي] ثم نُسخ بقوله:{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وتثبت الرُّخصة للَّذين لا يُطِيقونه، وذهب جماعةٌ إلى أنَّ الآية الكريمة محكمةٌ غير مَنسوخةٍ، معناه: وعلى الَّذين كانوا يُطيقُونه في حال الشَّباب، فَعَجِزُوا عنه بعد الكِبَرِ، فعليهم الفدية بَدَل الصَّوم، وقراءة ابن عباس «يَطَوَّقُونَهُ» بضم الياء، وفتح الطَّاء مخففةً، وتشديد الواو، أي: يُكَلَّفُون الصوم، فتأوَّله على الشَّيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصَّوم، والمريض الذي لا يرجى برؤه، فهم يكلَّفُون الصَّوم، ولا يُطيقونه، فلم أن يُفطروا، ويُطعموا مكان كُلِّ يومٍ مِسكيناً، وهو قول سعيد بن جبير، وجعل الآية محكمةً.
فصل في المراد بالفدية ومقدارها
«الفِدْيةُ» في معنى الجزاء، وهو عبارةٌ عن البَدَل القائم عن الشيءِ وهي عن دأبي حنيفة نصفُ صاعٍ من بُرٍّ، أو صاعاً من غيره وهو مُدَّانِ، وعن الشَّافعي «مُدٌ» بمُدِّ النبي -
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو رَطْلٌ وثُلُثٌ من غالب أقوات البَلَد، وهو قول فقهاء الحجاز.
وقال بعضُ فقهاء العراق: نصف صاعٍ لكُلِّ يومٍ يُفطِر.
وقال بعض الفقهاء: ما كان المُفْطِرُ يتقوَّته يَومَه الَّذي أفْطَره.
وقال ابنُ عباسٍ: يُعطِي كلَّ مسكين عشاءَهُ وسَحُوره.
فصل في احتجاج الجبائي بالآية
احتجَّ الجُبَّائيُّ بقوله تعالى:{وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} على أن الاستطاعة قبل الفعل؛ فقال: الضميرُ في قوله: {وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ} عائدٌ إلى الصَّوم، فأثبت القُدرة على الصَّوم حال عدم الصَّومِ؛ لأنَّه أوجب عليه الفِدية، وإنَّما تجب عليه الفديةُ إذا لم يَصُمْ؛ فَدَلَّ هذا على أن القدرةَ على الصَّوم حاصلةٌ قبل حُصُول الصَّوم.
فإنْ قيل: لمَ لا يجُوز أنْ يكُون الضميرُ عائداً إلى الفِدية؟
قُلنا: لا يَصحُّ لوجهين:
أحدهما: أن الفدْيَةَ متأخِّرةٌ، فلا يَعُود الضَّمير إليها.
والثاني: أنَّ الضَّمير مُذَكَّر، والفدية مؤنَّثة.
فإنْ قيل: هذه الآية مسنوخةٌ، فكَيْفَ يجوز الاستدلالُ بها؟!