وأما السماع: فنقول: إذا شهد عدلا، على رسة الهلا، حكم به في الصَّوم والفطر جميعاً، وإذا شهد عدلٌ واحدٌ عللٌ واحدٌ على رؤية هلال شوَّال، لا يحكم به، وإذا شَهِدَ على رؤية هلال رمضان يحكم به؛ احتياطاً لأمر الصَّوم، والفرق بينه وبين هلال شوَّال: أنَّ هلال رمضان للدُّخول في العبادة، وهلال شوالٍ للخروج من العبادة، وقول الواحد في إثبات العبادة يقبل، أما في الخروج من العبادة لا يقبل إلا اثنان.
قال ابن الخطيب وعندي: أنه لا فرق بينهما في الحقيقة، لأنا إنما قبلنا قول الواحد في هلال رمضان؛ لكي يصوموا، ولا يفطروا؛ احتياطاً؛ فكذلك يقبل قول الواحد في هلال شوَّال؛ لكي يفطروا ولا يصوموا احتياطاً.
فصل في حدِّ الصوم
الصَّوم: هو الإمساك عن المفطرات مع العلم بكونه صائماً من أوَّل الفجر الصَّادق إلى غروب الشَّمس مع النِّيَّة.
فقولنا:«إمساك» هو الاحتراز عن شيئين:
أحدهما: لو طارت ذبابةٌ إلى حلقه، أو وصل غبارُ الطريق إلى باطنه، لا يبطل صومه؛ لأنَّ الاحتراز عنه شاقٌّ، وقد قال الله تعالى:{يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العسر} .
والثاني: لو صُبَّ الطعام أو الشراب في حلقه كرهاً، أو حال النوم - لا يبطل صومه، والإكراه لا ينافي الإمساك.
وقولنا «عَنِ المُفطرَاتِ» وهي ثلاثة: دخول داخلٍ، أو خروج خارجٍ، والجماعُ.
وحدُّ الدخول: كلُّ عينٍ وصل من الظَّاهر إلى الباطن من مَنفَذٍ مفتوح إلى الباطن، إما إلى الدماغُ، وإما إلى البطن وما فيها من الأمعاء والمثانة، أما الدِّماغ فيحصل الفطر بالسّعُوط، وأما البطن، فيحصل الفطر بالحقنة؛ وأما الخروج، فالقيء [بالاختيار] ، والاستمناء [يُبْطلانَ الصوم] ، وأما الجماع فمبطلٌ للصَّوم بالإجماع.
وقولنا «مَعَ العِلْمِ بِكَوْنِهِ صَائِماً» فلو أكل أو شرب ناسياً، لم يبطُل صومه عند أبي حنيفة، والشَّافعيِّ، وأحمد، وعند مالك يبطُلُ.
وقولنا:«مِنْ أَوَّولِ طُلُوعِ الفَجْرِ الصَّادِقِ» ؛ لقوله تعالى:{وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر}[البقرة: ١٨٧] وكلمة «حَتَّى» ؛ لانتهاء الغاية.