للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أن يكونَ مجروراً عطفاً على «ذِكْركم» المجرورِ بكافِ التشبيه، تقديرُهُ: أو كَذِكْر أَشَدَّ ذِكْراً، فتجعلُ للذكر ذِكْراً مجازاً، وإليه ذهب الزَّجَّاج، وتبعه أبو البقاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وابن عَطيَّة.

والثَّاني: أنه مجرورٌ عطفاً على المخْفُوض بإضافة المَصْدر إليه، وهو ضميرُ المخاطبين، قال الزمخشريُّ: أَوْ أَشَدَّ ذكِراً في موضِع جرٍّ عَطْفاً على ما أُضيفَ إليه الذكْرُ في قوله: {كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} ؛ كما تقول: «كَذِكْرِ قُرَيْش آباءَهُمْ أو قَوْم أَشَدَّ منْهُمْ ذِكْراً» وهو حَسَنٌ، وليس فيه تَجَوُّزٌ بأَنْ يُجْعَلَ لِلذكرِ ذِكْرٌ؛ لأنه جَعَلَ «أَشَدٌّ» من صفات الذَّاكرِينَ، إلا أن فيه العَطْفَ على الضَّميرِ المجْرُورِ من غير إعادة الجارِّ، وهو ممنوعٌ عند البَصْريين، ومَحَلُّ ضرورة.

وأمَّا نصبُه فمن أوجهٍ:

أحدُها: أن يكونَ معطوفاً على «آباءَكُمْ» قال الزمخشريُّ، فإنه قال: «بمعنى أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً مِنْ آبَائِكُم» ؛ إلى أنَّ «ذِكْراً» من فِعْلِ المذكور هو كلامٌ يَحْتاجُ إلى تفسير، فقولُه: «هو معطُوفً على آبَاءَكُمْ» : معناه أنك إذا عَطَفْتَ «أَشَدَّ» على «آبَاءَكُمْ» ، كان التقديرُ: أو قوماً أشدَّ ذِكْراً من آبائِكُمْ، فكان القومُ مذكورِينَ، والذكرُ الذي هو تمييزٌ بعد «أَشَدَّ» هو من فِعْلهم، أي: من فعلِ القوم المذكُرِين؛ لأنه جاء بعد «أَفْعَلَ» الذي هو صفةٌ للقوم، ومعنى «مِنْ آبَائِكُمْ» أي من ذكرِكم لآبائِكُمْ، وهذا أيضاً ليس فيه تجوزٌّ بأنْ جُعِل الذِّكْرُ ذَاكِراً.

الثاني: أن يكونَ مَعْطُوفاً على محلِّ الكاف في «كَذِكْرِكُم» ؛ لأنها عندهم نعتٌ لمصدر محذوف، تقديرُه: «ذِكْراً كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ» وجَعَلُوا الذِّكْرَ ذاكراً مجازاً؛ كقولهم: شِعْرٌ شَاعِرٌ، وهذا تخريج أبي عَلِيٍّ وابن جنِّي.

الثالث: قاله مَكّيٌّ: أن يكونَ منصوباً بإضمار فِعْلٍ، قال: تقديرُه: «فاذْكرُوهُ ذِكْراً أَشَدَّ من ذِكرِكُمْ لآبائكم» ؛ فيكونَ نعتاً لمصدر في موضع الحالِ، أي: اذكُرُوهُ بَالِغِينَ في الذِكْرِ.

الرابع: أن يكونَ مَنْصُوباً بإضمار فعْلِ الكَوْن، قال أبو البقاء: «وعِنْدِي أنَّ الكلَامَ محمولٌ على المَعْنى، والتقدير: أو كُونُوا أَشَدَّ لِلَّهِ ذِكْراً منكم لآبائِكُمْ، ودلَّ على هذا المعنى قولُه: {فاذكروا الله} أي: كونوا ذَاكِريهِ، وهذا أسهلُ مِنْ حَمْلِه على المَجَاز» يعنى المجازَ الذي تقدَّم ذِكْرُهُ عن الفارسيِّ وتلميذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>