المصدر مضافاً لفاعله، ويَبْعُدُ أن يقال: هو مرفوعٌ على لغةِ مَنء يُجْرِي «أَبَاكَ» ونحوَهُ مُجْرَى المقْصورِ.
فصل
قال جمهور المُفسِّرين: إن القوم كانوا بعد الفراغ من الحَجِّ يبالِغُوا في الثَّنَاءِ على آبَائِهِم وفي ذكر مَناقِبهم، فقال تعالى:{فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} ، أي: فاجهَدُوا في الثَّنَاء على الله وشرح الآية، كما بذلتم جَهْدَكم في الثَّناء على آبَائِكم.
وقال الضَّحَّاك والرَّبيع: اذكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم وأمَّهَاتكم، واكتفى بذكر الآباءِ، كقوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر}[النحل: ٨١] قالوا: وهو قول الصَّبيِّ أول ما يُفصح للكلام أَبَه أَبَه أُمَّه أُمَّه، أي: كونوا مُوَاظِبين على ذِكْرِ الله؛ كمواظَبَة الصَّغير على ذِكْر أ [يه وأمِّه.
وقال أبو ملسم: أجرى ذِكر الآباء مثلاً لدوام الذكْرِ، أي: كما أنّ الرَّجُل لا يَنْسَى ذكر أبيه، فكذلك يَجِبُ ألاّ يَغْفَل عن ذِكْر الله - تعالى -.
وقال ابن الأَنْباري: كانت العرب في الجَاهِليَّة تكثِر من القَسَم بالآباءِ والأَجْدَادِ؛ فقال تعالى: عَظِّمُوا الله كَتَعْظِيم آبَائكُم.
وقيل: كما أنّ الطِّفْل يرجع إلى أبِيه في طَلَبِ جميع مُهِمَّاتِه، ويكون ذَاكِراً له بالتَّعظِيم فكُونُوا أنتم في ذِكْر الله كذلك.
وقيل: يُحْتَمل أنّهم كَانُوا يّذْكُرون آباءَهُم؛ ليتَوسَّلُوا بذكرهم إلى إجابة الدُّعَاء، فعرَّفَهُم الله - تعالى - أنّ آباءَهُمْ لَيْسَوا في هذه الدَّرَجَة؛ إذ أَفْعَالُهم الحَسَنة مُحْبَطة بشِرْكِهِم.
وسُئِل ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - عن قوله تعالى:{فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} ، فقيل: يأتي على الرَّجُل اليَوْم لا يذكُر فيه أَبَاهُ.
قال ابن عبَّاس: ليس كذلك؛ ولكن هو أن تَغْضَب لله إذا عُصِيَ، أَشَدَّ من غَضَبِك لوَالِدَيْك إذا ذُكِرا بِسوءٍ.
قوله:{أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} يجوزُ في «أَشَدَّ» أن يكونَ مجروراً، وأَنْ يكونَ منصوباً: فأمّا جَرُّه، فذكروا فيه وجهين: