أحدهما: أن تكون شرطيةٌ، ف «تَعَجَّلَ» في محلِّ جزمٍ، والفاء في قوله:«فَلَا» جواب الشرط والفاء وما في حَيِّزها في محلِّ جزم أيضاً على الجواب.
والثاني: أنها موصولة ب «تَعَجَّلَ» فلا محلَّ ل «تَعَجَّلَ» ؛ لوقوعه صلةً، ولفظه ماضٍ، ومعناه يحتمل المضيَّ والاستقبال؛ لأنَّ كلَّ ما وقع صلةً، فهذا حكمه؛ والفاء في «فَلَا» زائدة في الخبر، وهي وما بعدها في محلِّ رفع خبراً للمبتدأ.
قال القرطبي:«مَنْ» في قوله: «فَمَنْ تَعَجَّلَ» رفع بالابتداء، والخبر «فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» ، ويجوز في غير القرآن، فلا إثْمَ عَلَيْهِم؛ لأن معنى «مَنْ» جماعة؛ كقوله - تبارك وتعالى -: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}[يونس: ٤٢] ، وكذلك «مَنْ تأَخَّرَ» .
و «في يَوْمَيْنٍ» متعلِّق ب «تَعَجَّلَ» ولا بدَّ من ارتكاب مجازٍ؛ لأن الفعل الواقع في الظرف المعدود يستلزم أن يكون واقعاً في كلٍّ من معدوداته، تقول:«سِرْتُ يَوْمَيْنِ» لا بد وأن يكون السير وقع في الأول والثاني وبعض الثاني، وهنا لا يقع التعجيل في اليوم الأول من هذين اليومين بوجهٍ، ووجه المجاز: إمَّا من حيث إنَّه نسب الواقع في أحدهما واقعاً فيها؛ كقوله:{نَسِيَا حُوتَهُمَا}[الكهف: ٦١] و {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ}[الرحمن: ٢٢] ، والنَّاسي أحدهما: وكذلك المخرج من أحدهما، وإمَّا من حيث حذف مضاف، أي: في تمام يومين أو كمالهما.
و «تَعَجَّلَ» يجوز أن يكون بمعنى «اسْتَعْجَلَ» ك «تَكَبَّرَ، واسْتَكْبَرَ» ، أو مطاوعاً ل «عَجَّل» نحو «كَسَّرْتُه فَتَكَسَّرَ» ، أو بمعنى المجرَّد، وهو «عِجِلَ» ، قال الزمخشريُّ:«والمطاوعة أوفَقُ» ؛ لقوله:«ومَنْ تَأَخَّرَ» ؛ كما هي في قوله:[البسيط]
لأجل قوله «المُتَأَنِّي» . و «تَعَجَّلَ واسْتَعْجَلَ» يكونان لازمين ومتعدِّييثن، ومتعلِّق التعجيل محذوف، فيجوز أن تقدِّره مفعولاً صريحاً، أي: من تعجَّل النَّفر، وأن تقدِّره مجروراً أي: بالنَّفر، حسب استعماله لازماً ومتعدِّياً.
وفي هذه الآيات من علم البديع: الطباق، وهو ذكر الشيء وضده في «تَعَجَّل وتَأَخَّرَ» ، فهو كقوله:{أَضْحَكَ وأبكى}[النجم: ٤٣] و {أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم: ٤٤] ، وهذا طباقٌ غريب، من حيث جعل ضدَّ «تَعَجَّلَ» : «تَأَخَّرَ» ، وإنما ضدُّ «تَعَجَّلَ» : «تَأَنَّى» ، وضدُّ «تَأَخَّرَ» : «تقدَّم» ، ولكنه في «تَعَجَّلَ» عبرَّ بالملزوم عن اللازم، وفي «تَأَخَّرَ» باللازم عن الملزوم، وفيها من علم البيان: المقابلة اللفظيَّة، وذلك أن المتأخِّر بالنَّفرات آتٍ بزيادة في العبادة، فله زيادة في الأجر على المتعجِّل، فقال في حقه أيضاً:«فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» ؛ ليقابل