لغة ضعيفة، ولذلك أبت العلماء أن تجعل قراءة من بناه للمفعول مأخوذةً منها. وقرأ خارجة عن نافع:«يُرْجَعُ» بالتذكير، وببنائه للمفعول؛ لأن تأنيثه مجازي، والفاعل المحذوف في قراءة من بناه للمفعول: إمَّا الله تعالى، أي: يرجعها إلى نفسه بإفناء هذه الدار، وإمَّا ذوو الأمور؛ لأنه لمَّا كانت ذواتهم وأحوالهم شاهدةً عليهم بأنهم مربوبون مجزيُّون بأعمالهم كانوا رادِّين أمورهم إلى خالقها.
قال القفَّال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قوله «تُرْجَعُ الأُمُورُ» بضم التاء ثلاثة معانٍ.
أحدها: ما ذكرناه، وهو أنه جلَّ جلاله يرجعها إلى نفسه.
والثاني: أنه على مذهب العرب، من قولهم «فلانٌ يُعْجَبُ بنفسه» ويقول الرجلُ لغيره: «إلى أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ» ، وإن لم يكن أَحَدٌ يَذْهَبُ به.
والثالث: أن ذوات الخلق لما كانت شاهدةً عليهم، بأنهم مخلوقون محاسبون، كانوا رادّين أمرهم إلى خالقهم، فقوله «تُرْجَعُ الأُمُورُ» أي: يردّها العباد إليه، وإلى حكمه بشهادة أنفسهم، وهو كقوله {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}[الجمعة: ١] فإن هذا التسبيح بحسب الحال، لا بحسب النطق، وقوله:{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً}[الرعد: ١٥] قيل: المعنى يسجد له المؤمنون طوعاً، ويسجد له الكفَّار كرهاً بشهادة أنفسهم بأنَّهم عبيد الله.
فصل في تفسير «الظلل»
«الظُّلَلُ» جمع ظُلَّةٍ، وهو ما أظَلَّكَ الله به «والغَمَامُ» هو السَّحاب الأبيض الرَّقيق، سمِّي غماماً؛ لأنه يغمُّ، أي: يستر.
وقال مجاهدٌ: هو غير السحاب، ولم يكن إلَاّ لبني إسرائيل في تيههم.
وقال مقاتلٌ: كهيئة الضَّبابة أبيض.
قال الحسن: في سترةٍ من الغمام. والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله تعالى؛ على ذلك مضت أئمة السَّلف، وعلماء السُّنَّة.