فإِنَّ «عَسَى» لا تعمل فيه، ف «ماذا» في موضع رفعٍ، وهو مركَّبٌ؛ إذ لا صلة ل «ذا» .
وجاء «ينفقون» بلفظ الغيبة؛ لأنَّ فاعل الفعل قبله ضمير غيبةٍ في «يَسْألونَكَ» ، ويجوز في الكلام «ماذا نُنْفِقُ» كما يجوز: أقسم زيدٌ ليَضْرِبَنَّ ولأضْرِبَنَّ، وسيأتي لهذا مزيد ببيانٍ في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ}[المائدة: ٤] في المائدة إن شاء الله تعالى.
قوله:{قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} يجوز في «ما» وجهان:
أظهرهما: أن تكون شرطيّةً؛ لتوافق ما بعدها، ف «ما» في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ مقدَّمٌ، واجبُ التقديم؛ لأنَّ له صدر الكلام. و «أَنْفَقْتُمْ» في محلّش جزمٍ بالشرط، و «مِنْ خَيْرٍ» تقدَّم إعرابه في قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ}[البقرة: ١٠٦] .
وقوله: فللوالدين «جواب الشرط، وهذا الجارُّ خبر لمبتدأ محذوف، أي: فمصرفه للوالدين، فيتعلَّق بمحذوفٍ، إمَّا مفردٌ، وإمَّا جملةٌ على حسب ما ذكر من الخلاف فيما مضى. وتكون الجملة في محلِّ جزمٍ بجواب الشرط.
والثاني: أن تكون» مَا «موصولة، و» أَنْفَقْتُمْ «صلتها، والعائد محذوف، لاستكمال الشروط، أي: الذي أنفقتموه. والفاء زائدة في الخبر الذي هو الجارُّ والمجرور.
قال أبو البقاءِ في هذا الوجه:» ومِنْ خيرٍ يكون حالاً من العائد المحذوفٍ «.
فصل ف سبب النزول
اعلم نَّه تعالى لمَّا بيَّن الوجوب على كل مكلّفٍ، بأن يكون معرضاً عن طلب العاجل مشتغلاً بطلب الآجل، شرع في بيان الأحكام من هذه الآية إلى قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ}[البقرة: ٢٤٣] .
قال عطاء، عن ابن عباسٍ: نزلت الآية في رجل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: «إِن لي دِيناراً، فقال: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ، قال: إنّ لِي آخَرَ، قال: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ، فَقَالَ: إنَّ لِي آخَر، قال: أَنْفِقْهُ على خَادمِكَ، قال: إنّ لي آخر، قال: أَنْفِقْهُ عَلَى وَالِدَيْكَ قال: إنَّ لِي آخَرَ، قال: أَنْفِقْهُ عَلَى قرابتكِ، قال: إنَّ لي آخَرَ قال: أَنْفِقْهُ في سَبِيل الله، وهو أَحْسَنُها»
وروى الكلبيُّ، عن ابن عباسٍ أنَّ الآية نزلت في عمرو بن الجموح، وهو الذي قتل