للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يوم أُحُدٍ، وكان شيخاً كبيراً هرماً، وعنده مالٌ عظيمٌ، فقال ماذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت الآيةُ.

فإن قيل إنَّ القوم سألوا عما ينفقون كيف أُجيبوا ببيان المصرف؟

فالجواب من وجوه:

أحدها: أنَّ في الآية حذفاً، تقديره: ماذا ينفقون ولمن يعطونه، كما ذكرنا في رواية الكليِّ في سبب النزول، فجاء الجواب عنهما، فأجاب عن المنفق بقوله: «مِنْ خَيْرٍ» وعن المنفق عليه بقوله: فَلِلْوَالِدَيْنِ «وما بعده.

ثانيها: أن يكون» ماذا «سؤالاً عن المصرف على حذف مضافٍ، تقديره: مصرف ماذا ينفقون؟

ثالثها: أن يكون حذف من الأوَّل ذكر المصرف، ومن الثاني ذكر المنفق، وكلاهما مرادٌ، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك في قوله تعالى: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ} [البقرة: ١٧١] .

رابعها: قال الزمخشريُّ: قد تضمَّن قوله: {مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} بيان ما ينفقونه، وهو كلُّ خيرٍ؛ وبُني الكلام على ما هو أهمُّ وهو بيان المصرف؛ لأنَّ النفقة لا يعتدُّ بها إلَاّ أن تقع موقعها. قال: [الكامل]

١٠٤٧ - إنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ صَنِيعَةً ... حَتَّى يُصَابَ بِهَا طَرِيقُ الْمَصْنَعِ

خامسها: قال القفَّال: إنه وإن كان السؤال وارداً بلفظ» ما نُنْفِقُ: إلَاّ أن المقصود السؤال عن الكيفية؛ لأنهم كانوا علامين بأن الإنفاق يكون على وجه القربة، وإذا كان هذا معلوماً عندهم، لم ينصرف الوهم إلى ذلك، فتعيَّن أنَّ المراد بالسؤال إنَّما هو طريق المصرف، وعلى هذا يكون الجواب مطابقاً للسؤال، ونظيره قوله تعالى: {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَاّ ذَلُولٌ} [البقرة: ٧٠، ٧١] وإنَّما كان هذا الجواب موافقاً للسؤال، لأنه كان من المعلوم أنها البقرة التي شأنها وصفتها كذا، فقوله: «مَا هِيَ» لا يمكن حمله على طلب الماهيَّة؛ فتعين أن يكون المراد منه طلب الصِّفة التي بها تتميز هذه البقرة عن غيرها، فكذا ها هنا.

وسادسها: يحتمل أنَّهم لما سألوا عن هذا السؤال، فقيل لهم: هذا سؤالٌ فاسدٌ، أي: أنفقوا ما أردتم بشرط أن يكون مصروفاً إلى المصرف وهذا كقول الطبيب لمن سأله ماذا يأكل، فقال الطبيب: كل في اليومين مرَّتين، ومعناه، كل ما شئت، ولكن بهذا الشرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>