فلمَّا هاجر أُذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثمَّ أُذن له في قتال المشركين عامَّةً، ثم فرض الله الجهاد.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال عطاء: الجهاد تطوعٌ والمراد بهذه الآية أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ذلك الوقت دون غيرهم، وإليه ذهب الثَّوْرِيُّ، واحتجوا بقوله تعالى:{فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى}[النساء: ٩٥] ولو كان القاعد تاركاً للفرض، لم يكن يعده الحسنى.
قالوا: وقوله: «كُتِبَ» يقتضي الإيجاب، ويكفي في العمل به مرَّةً واحداةً.
وقوله:«عَلَيْكُمْ» يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وإنما قلنا إنَّ قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص}[البقرة: ١٧٨]{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام}[البقرة: ١٨٣] حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك؛ بدليلٍ منفصلٍ، وهو الإجماع، وذلك غير معقولٍ ها هنا؛ فوجب أن يبقى على الأصل، ويدل على صحة هذا القول قوله تعالى:
{وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً}[التوبة: ١٢٢] والقول بالنسخ غير جائز على ما بيناه، والإجماع اليوم منعقدٌ على أنه من فروض الكفايات، إلَاّ أن يدخل المشركون ديار المسلمين؛ فيتعيّن الجهاد حينئذٍ على الكلِّ.
وقال آخرون: هو فرض عينٍ؛ واحتجُّوا بقوله:«كُتِبَ» وهو يقتضي الوجوب، وقوله «عَلَيْكُمْ» يقتضيه أيضاً، والخطاب بالكاف في قوله «عَلَيْكُمْ» لا يمنع من الوجوب على الموجودين وعلى من سيوجد؛ كقوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام}[البقرة: ١٨٣] .
وقال الجمهور: هو فرضٌ على الكفاية.
فإن قيل هذا الخطاب للمؤمنين، فكيف قال:{وَهُوَ كُرهٌ لَكُم} ، وهذا يشعر بكون