أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] إلى آخرها آية تامة منها.
وأما أبو حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْه - فإنه لما أسقط البَسْمَلَة قال: قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وقوله: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضآلين} آية أخرى.
ودليل الشَّافعي - رضي الله تعالى عنه - أن مقطع قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لا يشابه مقطع الآيات المتقدمّة، ورعاية التشابه في المَقَاطع لازم، لأنَّا وجدنا مقاطع القرآن على ضربين: مُتَقَاربة، ومُتَشَاكلة. فالمتقاربة كَسُورَةِ «ق» .
والمُشَاكلَة في سورة «القمر» ، وقوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ليس من القسمين، فامتنع جعله من المَقَاطع.
وأيضاً إذا جعلنا قوله تعالى: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} ابتداء آية، فقد جعلنا أول الآية لفظ «غير» ، وهذا اللفظ إمّا أن يكون صفةً لما قبله، أو استثناء مما قبله، والصّفة مع الموصوف كالشَّيء الواحد، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كالشيء الواحد، وإيقاع الفَصْل [بينهما] على خلاف الدليل، أما إذا جعلنا قوله تعالى: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} إلى آخر السورة آية واحدة [كُنّا قَدْ جعلنا الموصوف مع الصّفة، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كلاماً واحداً، وآية واحدة] ، وذلك أقرب إلى الدّليل.
فَصلٌ هل البَسْمَلَةُ آية من أوائل السور أم لا؟
وللشافعي قولان:
قال ابن الخطيب: «والمُحَقّقون من أصحابنا اتفقوا على أن بسم الله قرآن من سائر السّور، وجعلوا القولين في أنها هل هي آية تامة وحدها من كل سورة، أو هي مع ما بعدها آية» .
وقال بعض الحنفية: إنّ الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة؛ لأن أحداً ممن قبله لم يقل: إن بسم الله آية من أوائل سائر السُّور.
ودليلنا أن بسم الله مكتوب في أوائل السور بخط القرآن، فوجب كونه قرآناً، واحتج المخالف بما روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى آله وسلم - قال في سورة «الملك» إنها ثلاثون آية، وفي سورة «الكوثر» إنها ثلاث آيات، ثم أجمعوا على أنَ هذا العدد حاصل بدون التسمية، فوجب ألاّ تمون التسمية آية من هذه السّور.
والجَوَاب أنا إذا قلنا: بسم الله الرحمن الرحيم كع ما بعدها آية واحدة، فالإشْكَال زائل. فإن قالوا: لما اعترفتم بأنها آية تامةٌ من أول الفاتحة، فكيف يمكنكم أن تقولوا: إنها بعض آية من سائر السور؟
قلنا: هذا غير بعيدٍ، ألا ترى أن قوله تعالى: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} آية تامة؟ ثم صار مجموع قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: ١٠] آية واحدة، فكذا ها هنا.