للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تقدَّم عليه، والتَّقدير: قل: قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيلِ اللهِ كبير وكُفرٌ به كبير ونظيره: زَيْدٌ منطلِقٌ وعمرو، وتقديره: وعمرو منطلق. وطعن البصريُّون في هذا فقالوا: أَمَّا قولكم تقدير الآية: يسألونك عن قتالٍ في الشَّهر الحرام وفي المسجد الحرام؛ فهو ضعيف؛ لأَنَّ السُّؤال كان واقعاً عن القتال في الشَّهر الحرام، لا عن القِتَال في المسجدِ الحرامِ، وطعنوا في الوجه الأوَّل بأنَّه يقتضي أَنْ يكون القتال في الشَّهر الحرام كفراً بالله، وهو خطأ بالإجماع.

الثاني: بأنَّه قال بعد ذلك {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} أي: أكبر مِنْ كُلّ ما تقدَّم، فيلزم أَنْ يكون إخراجُ أهل المسجد الحرام أكبر عند اللهِ من الكُفر، وهو خطأٌ بالإجماع.

قال ابن الخطيب: وللفرَّاءِ أن يجيب عن الأَوَّل بأنَّهُ: من الذي أخبركم بأَنَّه ما وقع السُّؤالُ عن القتال في المسجد الحرام، بل الظَّاهر أَنَّهُ وقع؛ لأَنَّ القوم كانُوا مستعظمين للقتال في الشَّهر الحرام في البلد الحرام، وكان أحدهما كالآخر في القبح عند القوم، فالظَّاهر أَنَّهم جمعوهما في السُّؤال، وقولهم: على الوجه الأوَّل يلزم أَنْ يكون قتال في الشَّهر الحرام وكُفر، فنحن نقول به لأَنَّ النَّكرة في سياق الإِثبات لا تفيد العموم.

وعندنا أَنَّ قتالاً واحداً في الشهر الحرام كُفرٌ.

وقولهم على الثَّاني: يلزم أَن يكون إخراجُ أهلِ المسجدِ منه أكبر من الكفر.

قلنا: المُراد أهل المسجد: وهم الرَّسُولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصحابه، وإخراج الرَّسُول من المسجد على سبيل الإذلال لا شكّ أنه كُفرٌ، وهو مع كونه كُفراً فهو ظُلْمٌ لأَنَّهُ إيذاء للإنسان مِنْ غير جرمِ سابقٍ، ولا شكّ أن الشيء الَّذشي يكون ظُلماً وكُفراً أكبر، وأقبح عند اللهِ ممَّا يكون كفراً، وحده، ولما ذكر أبو البقاء هذا القول - وهو أن يكون معطوفاً على الشَّهر الحرام - أي يسألُونك عن الشَّهرِ الحرامِ وعن المسجدِ الحرام.

قال أبو البقاء: وضعف هذا بأنَّ القومَ لم يسألوا عن المسجد الحرام إذ لم يشُكُّوا في تعظيمه، وإنَّما سألوا عن القتال في الشَّهر الحرام.

والثاني: القتال في المسجد الحرام؛ لأَنَّهُم لم يَسْأَلوا عن ذات الشَّهر ولا عن ذات المسجد، إِنما سألوا عن القتالِ فيهما؛ فأُجيبوا بأنَّ القتال في الشَّهر الحرامِ كبيرٌ، وصَدٌّ عن سبيلِ الله تعالى، فيكون [قتال] أَخْبر عنه بأنه كبيرٌ، وبأنه صَدٌّ عن سبيل الله، وأُجيبوا بأنَّ القتال في المسجد الحرامِ وإِخراجَ أهله أكبرُ من القتالِ فيه. وفي الجملةِ، فعطفُه على الشَّهر الحَرام متكلَّفٌ جدّاً يبعُدُ عنه نظمُ القُرآنِ، والتركِيبُ الفصيحُ.

الرابع: أَنْ يتعلَّق بفعلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه المصدرُ تقديره: ويصُدُّون عن المسجد، كما قال تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} [الفتح: ٢٥] قاله أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>