وقال أبو حنيفة: يلزمه قضاء ما أدى وكذلك الحج، حجة الشَّافعي قوله تعالى:{فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولاائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} شرطٌ في إحباط العمل أن يموت وهو كافرٌ، وهذا الشَّخص لم يوجد في حقِّه هذا الشَّرط؛ فوجب ألَاّ يصير عمله محبطاً.
ولا يقال: حمل المطلق على المقيَّد واجبٌ؛ لأنَّا نقول: ليس هذا من باب المطلق والمقيَّد؛ فإنَّهم أجمعوا على أنَّ من علَّق حكماً بشرطين، وعلقه بشرط، أنَّ الحكم ينزل عند أيِّهما وجد كمن قال لعبده: أنت حرٌّ؛ إذا جاء يوم الخميس، ولم يكن في ملكه، ثم اشتراه، ثم جاء يوم الخميس؛ عتق ولو كان باعه، فجاء يوم الخميس وهو في ملكه عتق بالتعليق الأوَّل.
فصل في محل إحباط العمل
ليس المراد من إحباط العمل نفس العمل؛ لأنَّ العمل شيء كما وجد، فَنِيَ وزَال، وإعدم المعدوم محال. ثمَّ اختلف المتكلِّمون فيه؛ فقال المثبتون للإحباط والتَّكفير: المراد منه أنَّ عقاب الرِّدَّةِ الحادثة يزيل ثواب الإيمان السَّابق، إمَّا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم وجمهور المتأخرين من المعتزلة، أو لا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي علي.
وقال المنكرون للإِحباط: هذا المعنى المراد من الإحباط الوارد في كتاب الله، هو أنَّ المرتدَّ إذا أتى بالرِّدَّة فتلك الرِّدة عمل محبط؛ لأنَّ الآتي بالرِّدَّة كان يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحق به ثواباً، فإذا لم يأت بذلك العمل الجيِّد، وأى بدله بهذا العمل الرَّدِيءِ، لا يستفيد منه نفعاً، بل يستفيد منه أعظم المضارّ، يقال: إنَّه حبط عمله، أي: بعملٍ باطلٍ، ليس فيه فائدة، بل فيه مضرَّةٌ.