أمَّا إحباط الأعمال في الدُّنيا، فهو أنَّه يقتل عند الظَّفر به، ويقاتل إلى أن يظفر به، ولا يستحقُّ من المؤمنين موالاةً ولا نصراً، ولا ثناءً حسناً، وتبين زوجته منه، ولا يستحقُّ الميراث من المسلمين.
ويجوز أن يكون المعنى في إحباط أعمالهم في الدُّنيا، هو أنَّ ما يريدونه بعد الرِّدَّة من الإضرار بالمسلمين، ومكايدتهم بالانتقال عن دينهم يبطل كله، فلا يحصلون منه على شيء لإعزاز الله الإسلام بأنصاره؛ فتكون الأعمال على هذا التَّأويل ما يعملونه بعد الرِّدَّة، وأمَّا إحباط أعمالهم في الآخرة، فعند القائلين بالإحباط معناه: إنَّ هذه الرَّدَّة تبطل استحقاقهم للثَّواب الذي استحقُّوه بأعمالهم السَّالفة. وعند المنكرين لذلك معناه: أنَّهم لا يستفيدون من تلك الرِّدَّة ثواباً، ونفعاً في الآخرة، بل يستفيدون منه أعظم المضارِّ، ثمَّ بين كيفيَّة تلك المضرَّة فقال:{وأولاائك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
فصل
قال القرطبيُّ: قالت طائفةٌ: يستتاب المرتدُّ؛ فإن تاب وإلَاّ قتل.
وقال بعضهم: يُسْتَتَابث ساعةً واحدةً.
وقال آخرون: يُسْتَتَابُ شهراً.
وقال آخرون: يُسْتَتَابُ ثلاثاً، على ما روي عن عمر وعثمان، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم.
وقال الحسن: يُسْتَتَابث مائة مرَّةٍ، وروي عنه أنَّه يقتل دون استتابةٍ، وهو أحد قولي الشَّافعيّ.
واحتجّ من قال بأنّه يقتلُ ولا يستتاب، بحديث معاذٍ، وأبي موسى: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بعث أبا موسى إلى اليمن أتبعه معاذ بن جبل، فلمَّا قدم عليه قال: انزل، وألقى له وسَادَةٌ، وإذا رجُلٌ عنده موثقٌ، قال: مَا هَذَا؟ قال: كَانَ يُهُودِياً، فأسلم، ثم راجع دينه، فتهوَّد، قال: لا أجلس حتّى يُقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرَّات، وأمر به فقتل. أخرجه «مُسْلِمٌ» وغيره.
وقال مالك: يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ، ولا يُسْتَتَابُ.