وإثمهما ونفعهما مصدران مضافان إلى الفاعل، لأنَّ الخمر والميسر سببان فيهما، فهما فاعلان، ويجوز أن تكون الإضافة باعتبار أنهما محلُّهما. وقوله:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}[البقرة: ٢١٥] قد تقدَّم الكلام عليه. وقرأ أبو عمرو:«قُلِ العَفْوُ» رفعاً والباقون نصباً. فالرَّفع على أنَّ «مَا» استفهاميةٌ، و «ذَا» موصولةٌ، فوقع جوابها مرفوعاً خبراً لمبتدأ محذوفٍ، مناسبةً بين الجواب والسُّؤال والتَّقدير: إنفاقكم العفو. والنَّصيب على أنَّهما بمنزلةٍ واحدةٍ، فيكون مفعولاً مقدّماً، تقديره: أيَّ شيءٍ ينفقون؟ فوقع جوابها منصوباً بفعل مقدَّرٍ للمناسبة أيضاً، والتَّقدير: أنفقوا العفو. وهذا هو الأحسن، أعني أن يعتقد في حال الرَّفع كون «ذا» موصولةً، وفي حال النَّصب كونها ملغاةٌ. وفي غير الأحسن يجوز أن يقال بكونها ملغاةً مع رفع جوابها، وموصولةً مع نصبه. وقد تقدم الكلام على مستوفى وإنما اختصرت القول هنا؛ لأني قد استوفيت الكلام عليها عند قوله تعالى:{مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً}[البقرة: ٢٦] .
فصل
اعلم أنَّ هذا السُّؤال، قد تقدَّم، وأجيب بذكر المصرف، وهنا أجيب بذكر الكميَّة.
قال الواحدي رَحِمَهُ اللَّهُ: أصل العفو في اللُّغة الزِّيادة، قال الله تعالى:{خُذِ العفو}[الأعراف: ١٩٩] ، أي: الزِّيادة وقال: {حتى عَفَوْاْ}[الأعراف: ٩٥] .
وقال القفَّال: العفو ما سهل وتيسّر ممَّا فضل عن الكفاية، وهو قول قتادة، وعطاء، والسُّدِّي، وكانت الصَّحابة يكتسبون المال، ويمسكون قدر النَّفقة، ويتصدَّقون بالفضل.
قال القرطبيُّ: فالجواب خرج على وفق السُّؤال، فإنَّ السُّؤال الثَّاني في هذه الآية على قدر الإنفاق، وهو في شأن عمرو بن الجموح فإنَّه لما نزل:{قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة: ٢١٥] قال: كم أنفق؛ فنزل «قُل العَفْوَ» .
والعَفْوُ: ما سهل، وتيسَّر وفضل، ولم يشقَّ على القلب إخراجه؛ قال الشَّاعر:[الطويل]