وقال طاوس: ما يَسُر، والعفو اليسر من كل شيءٍ، ومنه قول تعالى:{خُذِ العفو}[الأعراف: ١٩٩] أي الميسور من أخلاق النَّاس.
قال ابن الخطيب: ويشبه أن يكون العفو عن الذَّنب راجع إلى التَّيسير، والتَّسهيل، قال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ، والرَّقِيقِ، فَهَاتوا عشْرَ أَمْوَالِكُمْ» معناه: التَّخفيف بإسقاط زكاة الخيل والرَّقيق، ويُقال: أعفى فلانٌ فلاناً بحقِّه: إذا أوصله إليه من غير إلحالح في المطالبة، ويقال: أعطاه كذا عفواً صفواً: إذا لم يكدِّره عليه بالأذى، ويقال: خذ من النَّاس ما عُفِيَ لك، أي: ما تيسَّر، ومنه قوله تعالى:{خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف}[الأعراف: ١٩٩] وجملة التأويل: أنَّ الله - تعالى - أدَّب النَّاس في الإنفاق، فقال:{وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين}[الإسراء: ٢٦، ٢٧] وقال: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط}[الإسراء: ٢٩] وقال: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ}[الفرقان: ٦٧] وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَنْفَقْتَ عَن غِنى، وَلا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» .
وعن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذ جاءه رجلٌ بمثل البيضة من ذهب فقال: يا رسول الله؛ خذها صدقةً، فوالله ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم أتاه من بين يديه، فقال: هاتها مغضباً؛ فأخذها منه، ثمَّ حذفه بها، لو أصابته لأوجعته ثم قال:«يَأْتِينِي أَحَدُكُم بِمالِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عن ظَهْرِ غِنَى، خُذْهَا، فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيها» . وكان عليه الصَّلاة والسَّلام يحبس لأهله قُوتَ سَنَةٍ.
وقال الحكماء الفضيلةُ بين طرفي الإفراط والتَّفريط.