والثاني: أنها للتَّعليل وهو بعيدٌ. والكاف في «كَذَلِكَ» تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أو للسامع، فتكون على أصلها من مخاطبة المفرد.
والثاني: أن تكون خطاباً للجماعة، فيكون ذلك ممَّا خوطب به الجمع بخطاب المفرد، ويؤيِّده قوله «لَكُمْ، و» لَعَلَّكُمْ «، وهي لغةٌ للعرب، يخاطبون في اسم الإشارة بالكفا مطلقاً، وبعضهم يستغني عن الميم بضمَّةِ الكاف؛ قال:[الرجز]
أظهرها: أن يتعلَّق بيتفكّرون على معنى: يتفكَّرون في أمرهما، فيأخذون ما هو الأصلح، ويؤثرون ما هو أبقى نفعاً.
والثاني: أن يتعلَّق ب» يبيِّن «، ويروى معناه عن الحسن، وحينئذٍ يحتمل أن يقدَّر مضاف، أي: في أمر الدُّنيا والآخرة، ويحتمل ألَاّ يقدَّر، لأنَّ بيان الآيات، وهي العلامات يظهر فيها. وجعل بعضهم قول الحسن من التَّقديم، والتأخير، أي: ليس لذلك يبيِّن الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلَّكم تتفكَّرون في الدنيا وزوالها وفنائها، فتزهدون فيها، وفي إقبال الآخرة، ووقوعها، فترغبون فيها. ثم قال: ولا حَاجَةَ لِذَلِكَ، لحَمْلِ الكَلَامِ على ظاهره، يعني من تعلُّق في الدُّنيا ب» تَتَفَكَّرُونَ «. وهذا ليس من التَّقديم والتَّأخير في شيء؛ لأنَّ جملة التَّرجِّي جاريةٌ مجرى العلَّة فهي متعلِّقةٌ بالفعل معنى، وتقديم أحد المعمولات على الآخر، لا يقال فيه تقديم وتأخير ويحتمل أن تكون اعتراضيةً، فلا تقديم، ولا تأخير.
والثالث: أن تتعلَّق بنفس «الآيَاتِ» لما فيها من معنى الفعل، وهو ظاهر قول مكي فيما فهمه عنه ابن عطيَّة. قال مكِّيٌّ:«معنى الآية أنه يبيِّن للمؤمنين آياتٍ في الدُّنيا، والآخرة يدلُّ عليها، وعلى منزلتها لعلَّهم يتفكَّرون في تلك الآياتِ» قال ابن عطيَّة: «فقوله: في الدنيا: يتعلَّق على هذا التَّأويل بالآيات» وما قاله عنه ليس بظاهر؛ لأنَّ شرحه الآية لا يقتضي تعلُّق الجار بالآيات. ثمَّ إنْ عَنَى ابن عطية بالتعلّق التعلُّق الاصطلاحي، فقال أبو حيان «فو فَاسِدٌ، لأنَّ» الآيَاتِ «لا تَعْمَلُ شيئاً ألْبَتَّةَ، ولا يَتَعَلَّقُ بها ظَرْفٌ، ولا مَجْرُورٌ» وقال شِهَابُ الدِّين: وهذا من الشَّيخ فيه نظرٌ، فإنَّ الظُّروف تتعلَّق بروائح الأفعال، ولا شكّ أنَّ معنى الآيات العلامات الظَّاهرة، فيتعلَّق بها الظَّرف على هذا. وإن