عنى التَّعلُّق المعنويَّ، وهو كون الجارِّ من تمام معنى:«الآيَاتِ» ، فذلك لا يكون إلاّ إذا جعلنا الجارَّ حالاً من «الآيَات» ، ولذلك قدَّرها مكِّيٌّ نكرة فقال:«يبيِّن لهم آياتٍ في الدُّنْيَا» ليعلم أنَّها واقعةٌ موقع الصِّفة لآيات، ولا فرق في المعنى بين الصِّفة والحال، فيما نحن بصدده، فعلى هذا تتعلَّق بمحذوفٍ لوقوعها صفةٌ.
الرابع: أن تكون حالاً من «الآيَاتِ» كما تقدَّم تقريره الآن.
الخامس: أن تكون صلةً للآيات، فتتعلَّق بمحذوفٍ أيضاً، وذلك مذهب الكوفيين، فإنَّهم يجعلون من الموصولات الاسم المعرَّف بأل؛ وأنشدوا:[الطويل]
قال ابن عبَّاس: إنَّ أهل الجاهليَّة كانوا قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى، وربَّما تزوَّجوا باليتيمة طمعاً في مالها أو يزوجها من ابن له لئلَاّ يخرج مالها عن يده، فلمَّا نزل قوله تعالى:{إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً}[النساء: ١٠] وقوله: {وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلَاّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ}[الأنعام: ١٥٢ والإسراء: ٣٤] ، وقوله:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يَتَامَى النسآء اللاتي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ والمستضعفين مِنَ الولدان وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ عَلِيماً}[النساء: ١٢٧] فعند ذلك ترك القوم مخالطة اليتامى، تحرُّجاً شديداً، وعزلوا أموال اليتامى عن أموالهم، حتَّى كان يصنع لليتيم طعاماً، فيفضل منه شيءٌ، فيتركونه، ولا يأكلونه حتَّى يفسد، وكان صاحب اليتيم يفرد له منزلاً، وطعاماً، وشراباً، فعظم ذلك على ضعفة المسلمين، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله ما كلُّنا يجد منازل يسكنها الأيتام، ولا كلُّنا يجد طعاماً، وشراباً، يفردهما لليتيم فنزلت هذه الآية.