للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ} كان المراد: فأتوا نساءكم أنى شئتم، فيكون إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه.

وثانيهما: كلمة «أَنَّى» معناها: أين؛ قال - تعالى - {أنى لَكِ هذا} [أل عمران: ٣٧] ، معناه: من أين لك هذا، فصار تقدير الآية: فأْتُوا حَرْثَكُم أَيْنَ شِئْتُم، وكلمة «أَيْنَ» تدلُّ على تعدُّد الأمكنة؛ تقول: اجلِس أيْن شِئْتَ، فيكون تخييراً بين الأمكنة.

وإذا ثبت هذا، فلا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها، أو من دبرها في قُبُلِها؛ لأنه على هذا التَّقدير، يكون المكان واحداً، والتَّعدُّد إنَّما وقع في طريقِ الإتيان، فاللَاّئق به أن نقول: اذهبوا إليه كيف شئتم، فلمَّا لم يذكر كيف، بل ذكر لفظة «أَنَّى» وهي مشعرةٌ بالتَّخيير بين الأمكنة كما بيَّنَّا، ثبت أنَّ المراد ما ذكرنا.

الحجة الثانية: تمسَّكوا بعموم قوله - تعالى -: {إِلَاّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] ، ترك العمل به في حقِّ الذُّكور بالإجماع، فيبقى فيما عداه على العموم.

الحجة الثالثة: لو قال للمرأة: دُبُرِكِ عليَّ حَرَامٌ، ونوى الطَّلاق، أنه يكون طلاقاً فيقتضي كون دبرها حلالاً له.

والجواب عن الأوَّل: أن «الحَرْثَ» اسمٌ لموضع الحراثة، والمرأة بجميع أجزائها ليست محلاً للحراثة، فامتنع إطلاق اسم الحرث على ذات المرأة كما تقدَّم، فلما أطلق لفظ «الحَرْثِ» على ذات المرأَة، حملنا ذلك على المجاز المشهور من تسمية الشَّيء باسم جزئِه، وهذه الضَّرورة مفقودةٌ في قوله: «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ» فوجب حَمْلُ الحرث ههنا على موضع الحراثة على التَّعيين؛ فثبت أن هذه الآية لا دلالة فيها إلَاّ على إتيان النِّساء في محلِّ الحرث، وقد قدَّمنا أن «الحَرْثَ» إنَّما يراد للزَّرع وهو الولد، وذلك لا يكون إلَاّ في المأتى.

وعن الثَّاني: أنه لما ثبت أن المراد ب «الحَرْثِ» ذلك الموضع المعيَّن لم يمكن حمل «أَنَّى شِئْتُمْ» على التَّخْيير في الأمكنة.

وأما قوله: {إِلَاّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] فإنه عامٌّ، ودلائلنا خاصَّةٌ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العام.

وقولهم: دُبُرُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنما صلح أن يكون كنايةٌ عن الطَّلاق، وإنَّه لَمَحَلُّ الملامسة والمضاجعة، وهو جزؤها، فصار ذلك كقوله: يدك طالقٌ.

هذا الجواب من حيث التَّفصيل أمّا من حيث الجملة: فقد بينَّا أنَّ قوله: «قُلْ هُوَ أَذًى» يدلُّ على التَّحريم؛ لوجود العلَّة المقتضية له، فلو جوَّزنا ذلك، لكان جمعاً بين دليل التَّحريم، ودليل التَّحليل في موضع واحدٍ، والأصل أنَّه لا يجوز، وأيضاً فالرِّوايات

<<  <  ج: ص:  >  >>