المشهورة في كون سبب النُّزول، هو اختلافهم في أنَّهُ: هل يجوز إتيانهنّ من دُبُرِهِنّ في قبولِهِن؛ وسبب النُّزول لا يكون خارجاً عن الآية، ومتى حملنا الآية على هذه الصُّورة لم تكن الآية نزلت على ذلك السَّبب.
ويمكن الجواب عن هذا: بأن الاعتبار بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب، فإن السُّؤال قد يكون خاصّاً والجواب عامّاً، وهو كثير.
قال ابن الخطيب: وهذا في غاية البُعدِ: والَّذِي عندي فيه: أن قوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} جار مجرى التَّنبيه على إباحة الوطءِ؛ كأنه قيل: هؤلاء النِّسوان إِنَّمَا حكم الشَّرع بإباحة وطئهنَّ لكم؛ لأجل أنَّهُن حرث لكم، أي بسبب أن يتولَّد الولدُ منهن، ثم قال بعده:{فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ} دليلاً على الإِذن في ذلك الموضع، والمنْع من غير ذلك المَوضع، فلمَّا اشْتَمَلت الآيةُ على الإِذن في أحدِ الموضعين، والمنع من الموضع الآخِر، لا جرم قال:{وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ} أي: لا تكُونُوا في قيد قضاء الشَّهوةِ، بل كونوا في قيد تقديم الطَّاعةِ، ثم إنه - تعالى - أكَّدَ ذلك بقوله:{واتقوا الله} ، ثم أكَّدَهُ ثالثاً بقوله:{واعلموا أَنَّكُمْ مُّلَاقُوهُ} ، وهذه التَّهديدات الثَّلاثة المُتَوالية، لا يليقُ ذكرها إلَاّ إذا كانت مسبوقة بالنَّهْي عن شيءٍ لذيذ مُشْتَهى، فثبت أن ما قَبْل هذه الآية دالٌّ على تحريم هذا العملِ، وما بعدها أيضاً دالٌّ على تحريمه؛ فثبتَ أَنَّ الصَّحِيح في تفسير هذه الآيةِ، ما ذهب إليه الجمهور.
قوله:«لأَنْفُسِكُمْ» مُتعلِّقٌ ب «قَدِّمُوا» ، واللامُ تحتملُ التعليل والتعديّ، والهاءُ في «مُلَاقُوهُ» يجوزُ أَنْ تعودَ على اللهِ تعالى، ولا بُد مِنْ حذفِ مضافٍ، أي: ملاقو جزائِهِ، وأَنْ تعودَ على مفعولِ «قَدِّمُوا» المحذوف. وتَقَدَّم الكلام في التَّقوَى، وتَقَدَّم أيضاً تفسير لقاء الله في قوله:{الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦] .
والضميرُ في «وَبَشِّرِ» للرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لتقدُّم ذِكرِه في قوله: «يَسْأَلُونَكَ» قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ ضميرَ الخطابِ والتكلُّم لا يحتاج أَنْ يُقالَ فيهما: تَقدَّمَ ذِكْرُ ما يَدُلُّ عليهما، ويجوزُ أن يكونَ لكلِّ مَنْ يَصِحُّ منه البِشارة.