قوله:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إشارةٌ إلى المراجعة، واختلف العلماء في كيفيتها؛ فقال الشَّافعيُّ: لما لم يكن النكاح والطلاق إلَاّ بكلامٍ، لم تكن الرجعة - أيضاً - إلَاّ بكلامٍ.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وأحمد: تصحُّ بالوطء.
حجة الشافعي: أنَّ ابن عمر طلَّق زوجته، وهي حائض؛ فسأل عمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن ذلك، فقال:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» فأمره - عليه الصَّلاة والسَّلام - بالمراجعة في تلك الحال. والوطء في زمن الحيض لا يجوز. وقد يجاب عن هذا؛ بأنَّنا لم نخصَّ الرجعة في الوطء، بل قد يكون في صورةٍ بالوطءِ، وفي صورة بالقول.
وحجَّة أبي حنيفة، قوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أمرٌ بمجرد الإمساك، والوطء إمساكٌ، فوجب أن يكون كافياً.
فإن قيل: إنه تعالى أثبت حقَّ المراجعة عند بلوغ الأجل، وبلوغ الأجل وهو عبارةٌ عن انقضاء العدَّة، لا يثبت حقَّ المراجعة.
فالجواب من وجهين:
الأول: أنَّ المراد مشارفة البلوغ لا نفس البلوغ؛ كقول الرجل إذا قارب البلد:«قد بلغنا» ، وقول الرجل لصاحبه:«إذا بلغتَ مكَّةَ، فاغْتَسلْ بِذِي طُوى» يريد مشارفة البلوغ، لا نفس البلوغ، وهو من باب مجاز إطلاق اسم الكلِّ على الأَكْثر.
الثاني: الأَجَل اسمٌ للزمان، فنحمله على الزمان الذي هو آخر زمانٍ يمكن إيقاع الرجعة فيه، بحيث إذا مات، لا يبقى بعده إمكان الرجعة على هذا، فلا حاجة إلى المجاز
فإن قيل: لا فرق بين قوله: «أَمسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» ، وبين قوله:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} ؛ لأن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه، فما فائدة التكرار؟