أحدها: أنه متعلقٌ بتراضَوا، أي: تَرَاضَوا بما يَحْسُن مِنَ الدِّينِ والمروءَةِ.
والثاني: أن يتعلَّق ب «يَنْكِحْنَ» فيكون «ينكِحْنَ» ناصباً للظرفِ، وهو «إِذا» ؛ ولهذا الجارِّ أيضاً.
والثالث: أَن يتعلَّق بمحذوفٍ على أَنَّه حالٌ من فاعل تَرَاضَوا.
والرابع: أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، دلَّ عليه الفعلُ، أي: تراضياً كائناً بالمعروف.
فصل
تمسّكَ بهذه الآيةِ مَنْ يشترط الوَلِيَّ في النكَاحِ؛ بناءَ على أَنَّ الخطاب في هذه الآية للأولياء، قال: لأَنَّ المرأة لو كانت تُزوِّج نفسها، أَوْ تُوكِّلُ مَنْ يُزوِّجها، ما كان الوليُّ قادراً على عضلها من النِّكاح، ولو لم يكن قادراً على العضلِ لما نهاهُ اللهُ عن العضل وقد تقدم ما فيه من البحث، وإِنْ سلم، فلم لا يجوزُ أَنْ يكون المرادُ بالنَّهي عنِ العضلِ أَنْ يخليها ورأيها في ذلك؛ لأَنَّ الغالب في الأَيَامَى أَن يرجعن إلى رأي الأَولياء، في بَابِ النكاحِ، وإِنْ كان الاستئذان الشرعي حاصِلاً لهن، وأَنْ يكُنَّ تحت رأيهم، وتدبيرهم، وحينئذٍ يكُونون مُتمكِّنين مِنْ منعهنَّ؛ لتمكنهم مِنْ تخليتهن، فيكون النَّهي محمولاً على هذا الوجه، وهذا منقولٌ عن ابن عبَّاسٍ، في تفسير هذه الآيةِ. وأيضاً فثبوتُ العضلِ في حَقِّ الولي مُمْتَنِعٌ؛ لأنه متى عضل القريبُ فلا يبقى لعضله أثرٌ.
وتمسَّك أبو حنيفة بقوله تعالى:{أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} على أَنَّ النكاح بغير وَليٍّ جائزٌ، قال: لأنه أَضَافَ النكاح إليها إضافة الفعْل إلى فاعله، ونهى الوليَّ عَنْ منعها منه، قال: ويتأكَّدُ هذا بقوله تعالى: {حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠] ، وبقوله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف}[البقرة: ٢٣٤] ، وتزويجها نفسها مِنَ الكُفءِ، فعلٌ بالمعروفِ؛ فوجب أَنْ يَصِحَّ.
وقوله تعالى:{وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٠] دليلٌ واضِحٌ مع أَنَّهُ لم يحضر هناك ولي البتَّةَ.
وأجاب الأولون: بأن الفِعْل كما يُضافُ إلى المباشر، قد يُضافُ إلى المتسبّب، يقال: بنى الأمِيرُ داراً، وضرب ديناراً، وإنْ كان مجازاً، إلَاّ أنَّهُ يجب المصيرُ إليه؛ لدلالةِ الأَحاديث على بُطْلان هذا النِّكَاح.