للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل في اختلاف البلوغين

قال الشَّافعيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ ُ - دلَّ سياقُ الكلامينِ - أي في الآيتين - على افتراق البُلُوغين، ومعناه أَنَّه تعالى قال في الآية الأولى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] ولو كانت عِدَّتها قد انقضت، لما قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} لأن إمساكها بعد العدّة لا يجوزُ وتكون مُسَرَّحَةٌ، فلا حاجة إلى تسريحها، وأما هذه الآية، فإنه نهى عن عضلهن عن التَّزويج، وهذا النَّهْي إِنَّما يحسن في الوقت الذي يمكنها أَنْ تتزوَّج فيه، وذلك إِنَّما يكونُ بعد انقضاءِ العِدَّة، فهذا هو المرادُ مِنْ قول الشافعي «دَلَّ سياقُ الكَلَامينِ على افْتِراق البلوغين» .

فصل في معنى التراضي بالمعروف

في التَّراضي بالمعرُوف، وجهان:

أحدهما: ما وافَقَ الشَّرعَ مِنْ عقدٍ حلالٍ، ومهرٍ جائِزٍ، وشُهُودٍ عُدُول.

الثاني: هو ما يُضادُّ قوله: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ} [البقرة: ٢٣١] فيكون معناه: أَنْ يرضى كُلُّ واحدٍ منهما بما لزمه بحق هذا العقد لصاحبه؛ حتى تحصل الصُّحبةُ الجميلةُ، وتدوم الأُلفَةُ.

قال بعضهم: التراضِي بالمعرُوف، هو مهرُ المِثْلِ، وفَرَّعُوا عليه مسأَلةً فقهيةً، وهي أنَّها إِذا زوَّجت نفسها بأَنْقص مِنْ مَهْرِ مِثْلِها، نقصاناً فاحشاً، فالنكاحُ صحيحٌ عند أَبِي حنيفة، وللوَلِي أَنْ يَعْتَرِض عليها بسبب ذلك النُّقْصَانِ.

وقال أَبُو يوسُف ومحمَّد ليس للوَلِيِّ ذلك.

قوله: {ذلك} مبتدأٌ و {يُوعَظُ} وما بعده خبرهُ. والمُخَاطبُ قيل: إمَّا الرسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أو كلُّ سامع، ولذلك جيءَ بالكافِ الدالَّةِ على الواحد، وقيل: للجماعةِ، وهو الظَّاهِرُ، فيكونُ «ذلك» بمعنى: «ذلكم» ، ولذلك قال بعده: {مِنكُمْ} وهو جائِزٌ في اللُّغة، والتَّثْنِية والجمع أيضاً جائِزٌ، قال تعالى: {ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي} [يوسف: ٣٧] وقال: {فذلكن الذي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢] وقال: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ} [الطلاق: ٢] وقال: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة} [الأعراف: ٢٢] وإِنَّما وحَّدَ الخطاب وهو للأَولياء؛ لأن الأَصل في مخاطبة الجمع «لَكُمْ» ثم كثر حتَّى توهَّموا أن «الكَافَ» مِنْ نفسِ الحرفِ، وليست بكافِ خِطابٍ؛ فقالوا ذلك، فإِذَا قالوا هذا، كانتِ الكافُ مُوَحَّدَةً منصوبةً في الاثنين، والجمع، والمؤَنَّثِ، و «مَنْ كان» في محلِّ رفعٍ؛ لقيامه مقامَ الفاعل. وفي «كان» اسمُها، يعودُ على «مَنْ» و «يؤمِنُ» في محلِّ نصبٍ، خبراً ل «كان» و «مِنْكُمْ» : إمَّا متعلِّقٌ بكانَ عندَ مَنْ يرى أنها تعمَلُ في الظَّرفِ وشبهِهِ، وإمَّا بمَحْذُوفٍ على أنه حالٌ من فاعل يُؤمِنُ. فإن قيل: لِمَ أتى باسمِ الإشارة

<<  <  ج: ص:  >  >>