ويكون معنى الآية {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} فينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه {وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} أي: لا تلقيه المرأة إلى أبيه بعدما ألفها؛ تُضَارُّهُ بذلك.
وقيل: معناه لا تضارُّ والدةٌ؛ فتكره على إرضاعه، إذا كرهت إرضاعه، وقبل الصّبيُّ من غيرها؛ لأنَّ ذلك ليس بواجبٍ عليها، ولا مولودٌ له بولده فيحتمل أن يعطي الأمَّ أكثر مما يجب لها، إذا لم يرتضع الولد من غيرها.
وأن تكون مكسورةٌ، فيكون الفعل مبنياً للفاعل، وتكون «والدة» حينئذٍ فاعلاً به، ويؤيده قراءة ابن عباسٍ.
وفي المفعول على هذا الاحتمال ثلاثة أوجه:
أحدها - وهو الظاهر - أنه محذوف تقديره: لا تُضَارِرْ والدةٌ زوجَها، بسبب ولدها بما لا يَقْدِرُ عليه مِنْ رِزْقٍ وكُسْوةٍ ونحو ذلك، ولا يُضَارِرْ مَوْلُود له زوجته بسبب ولده بما وجب لها من رزق وكسوةٍ، فالباء للسببية.
والثاني: - قاله الزمخشريُّ - أن يكون «تُضارَّ» بمعنى تضرُّ، وأن تكون الباء من صلته أي: لا تضرُّ والدةٌ بولدها، فلا تسيءُ غداءه، وتعهُّده، ولا يضرُّ الوالد به بأن ينزعه منها بدما ألفها انتهى. ويعني بقوله «الباءُ مِنْ صِلتِه» ، أي: تكون متعلقةً به، ومعدِّيةً له إلى المفعول، كهي في «ذَهَبْتُ بزيدٍ» ويكون ضارَّ بمعنى أضرَّ، فاعل بمعنى أفعل، ومثله: ضاعفتُ الحسابَ وأضعفته، وباعدته وأبعدته، فعلى هذا، نفس المجرور بهذه الباء، هو المفعول به في المعنى، والباء على هذا للتَّعدية، كما نظَّرنا بِ «ذَهَبْتُ بزيدٍ» ، فإنه بمعنى أذهبته.
والثالث: أنَّ الباء مزيدةٌ، وأنَّ «ضَارَّ» بمعنى ضرَّ، فيكون «فَاعَلَ» بمعنى «فَعَل» المجرّد، والتقدير: لا تضرُّ والدةٌ ولدها بسوء غذائه وعدم تعهُّده، ولا يضرُّ والدٌ ولده بانتزاعه من أمه بعدما ألفها، ونحو ذلك. وقد جاء «فاعل» بمعنى فعل المجرَّد نحو: واعدته، ووعدته، وجاوزته وجزته، إلَاّ أنَّ الكثير في فاعل الدَّلالة على المشاركة بين مرفوعه ومنصوبه، ولذلك كان مرفوعه منصوباً في التَّقدير، ومنصوبه مرفوعاً في التقدير، فمن ثمَّ كان التوجيه الأول أرجح من توجيه الزمخشريُّ، وما بعده، وتوجيه الزمخشريِّ أوجه ممَّا بعده.
فإن قيل: لم قال «تُضَارّ» والفعل واحد؟
قلنا: معناه لا يضار الأمُّ والأب بألَاّ ترضع الأم، أو يمنعها الأب وينزعه منها، أو يكون معناه أنّ كلَّ واحدٍ يقصد بإضرار الولد إضرار الآخر؛ فيكون في الحقيقة مضارَّة.