قوله:{أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} إنما قال» عَشْراً «من غير تاء تأنيثٍ في العدد والمراد عشرة أيام؛ لوجوه:
الأول: أنَّ المراد» عَشْرَ لَيَالٍ «مع أيامها، وإنما أوثرت الليالي على الأَيام في التاريخ لسبقها؛ قال الزمخشريُّ:» وقيل «عَشْراً» ذهاباً إلى الليالي، والأيام داخلةٌ فيها، ولا تراهم قطُّ يستعملون التذكير ذاهبين فيه إلى الأيام، تقولك «صُمْتُ عَشْراً» ، ولو ذكَّرْت خرجت من كلامهم، ومن البيِّن قوله تعالى:{إِلَاّ عَشْراً}[طه: ١٠٣] ، {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً}[طه: ١٠٤] .
الثاني: قال المبرِّد: إنَّ حذف التاء؛ لأجل أنَّ التقدير عشر مددٍ كلُّ مدة منها يومٌ وليلةٌ، تقول العرب:«سِرْنَا خَمْساً» أي: بين يوم وليلة؛ قال:[الطويل]
والثالث: أنَّ المعدود مذكَّرٌ وهو الأيام، وإنما حذفت التاء؛ لأنَّ المعدود المذكر، إذا ذكر وجب لحاق التاء في عدده؛ قالوا «صُمْنَا خَمْسَةَ أَيَّام» ، وإذا حذف لفظاً، جاز في العدد الوجهان: ذكر التاء وعدمها، حكى الكسائيُّ:«صُمْنَا مِنَ الشَّهْرِ خَمْساً» ، ومنه الحديث:
«وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ» ، وقال الشاعر:[الطويل]
قال أبو حيَّان:«فَلا يُحْتَاجُ إلى تأويلها بالليالي ولا بالمدد؛ كما قدَّره الزَّمخشريُّ والمُبَرِّد على هذا» ، قال:«وإذا تقرر هذا، فجاء قوله:» وَعَشْراً «على أحد الجازئين، وإنما حسن حذف التاء هنا؛ لأنه مقطع كلام، فهو شبيهُ بالفواصل؛ كما حسَّن قوله:{إِن لَّبِثْتُمْ إِلَاّ عَشْراً}[طه: ١٠٣] كونه فاصلةً، فقوله:» ولو ذَكَّرْتَ لَخَرجْتَ من كَلَامِهِمْ «ليس كما ذكر، بل هو الأفصح، وفائدة ذكره» إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً «بعد قوله» إِلَاّ عَشْراً «أنه على زعمه أراد الليالي، والأيام داخلةٌ معها، فقوله:» إِلَاّ يَوْماً «دليلٌ على إرادةِ الأيَّام» . قال أبو حيان:«وهذا عندنا يدلُّ على أنَّ المراد بالعشر الأيَّام؛ لأنهم اختلفوا في مدَّة اللَّبث، فقال بعضهم:» عَشْراً «وقال بعضهم:» يَوْماً «فدلَّ على أنَّ المقابل باليوم إنما هو أيام؛ إذ لا يحسن في المقابلة أن يقول بعضهم: عَشْرُ لَيَالٍ، فيقول البعضُ: يَوْمٌ» .
الرابع: أنَّ هذه الأيَّام [أيَّام حزن ومكروه، ومثل هذه الأيَّام] تسمَّى بالليالي على