والنقاخ: الماءُ العذبُ المروِي، والبردُ: هو النَّومُ.
فصل
قال أهلُ اللُّغة: وإِنَّما اختير هذا اللَّفظُ لوجهين:
أحدهما: أَنَّ الإِنسانَ إذا عطش جدّاً، ثم شربَ الماء، وأراد وصف ذلك الماء، فإِنَّهُ يصفُهُ بالطُّعُومِ اللَّذِيذة، فقوله:{وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} ، أي: وَإِنْ بلغ به العطشُ إلى حيث يكون الماءُ في فَمِهِ موصوفاً بالطُّعوم الطَّيِّبة؛ فإنه يجب عليه الاحتراز عنه، وألا يشرب.
الثاني: أَنَّ مَنْ جعل الماءَ في فمه، وتمضمض به، ثم أخرجه فإنّه يصدق عليه أَنَّهُ ذاقه وطعمه، ولا يصدُق عليه أَنَّه شربه، فلو قال: ومن لم يشربه فإِنَّهُ مني، كان المنعُ مقصوراً على الشّرب. فلما قال:{وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} حصل المنعُ في الشُّربِ، والمضمضة، ومعلومٌ أَنَّ هذا التَّكليف أَشَقُّ، فإِنَّ الممنُوع من الشُّربِ، إِذَا تَمَضْمضَ بالماءِ وجد نوع خِفَّةٍ وراحةٍ.
فإن قيل: هَلَاّ قيل: «وَمَنْ لَمْ يَطْْعَمْ مِنْهُ» ليكون آخر الآية مُطابقاً لأَوَّلها؟
فالجواب: إِنَّما اختير ذلك لفائدة وهي أَنَّ الفُقهاء اختلفوا في أَنَّ مَنْ حَلَفَ ألَاّ يشرب مِنَ هذا النَّهرِ. قال أبو حنيفة: لا يحنثُ إلا إِذَا كرع منهُ؛ حتى لو اغترف بكوزٍ من النَّهرِ، وشرب لا يحنث؛ لأَنَّ الشُّرب من الشَّيء هو: أَنْ يكُونَ ابتداء شُربِهِ مُتَّصلاً بذلك الشَّيء، وهذا لا يحصل إِلَاّ بالشُّرب مِنَ النَّهر.
وقال الباقون: يحنثُ بالشُّرب مِنَ الكُوزِ، إذا اغترف به مِنَ النَّهر؛ لأَنَّ هذا وَإِنْ كان مجازاً، فهو مجازٌ معروفٌ، وإذا تقرَّر هذا فقوله:{مَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} ظاهره: أَنَّ النَّهْيَ مقصورٌ على الشُّرب من النَّهْرِ، حتّى لو اغترف بكُوزٍ، وشرب، لا يكُونُ داخلاً تحت النَّهي فلما كان هذا الاحتمالُ قائِماً في اللَّفظ الأَوَّل ذكر في اللَّفظ الثَّاني ما يزيلُ هذا الاحتمال، فقال:{وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني} أضاف الطَّعم والشّرب إلى الماء لا إلى النهر إزالة لذلك الاحتمال.
فصل
قال ابنُ عبَّاس، والسُّدِّيُّ: إِنَّه نهر فلسطين، وقال قتادة والرَّبيع: هو نهرٌ بين