أَمَّا النَّصبُ فلأنّ «كم» بمنزلة عددٍ، فينصب ما بعدهُ نحو: عشرونَ رجلاً. وَأَمَّا الخَفْضُ، فبتقدير دخول حرف «من» عليه.
وأَمَّا الرَّفعُ، فعلى نيَّة الفِعْل تقديره «كم غلبت فئةٌ» ومِنْ مجيءِ «كَائِن» منصوباً قولُ الشاعر: [الخفيف]
١١٦٩ - أُطْرُدِ اليَأْسَ بالرَّجَاءِ فَكَائِنْ ... آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ
وَأَجازُوا أَنُ يكونَ «مِنْ فِئَةٍ» في محلِّ رفع صفةً ل «كم» فيتعلَّق بمحذوفٍ. و «غَلَبَت» هذه الجملةُ هي خبرُ «كم» والتقديرُ: كثيرٌ من الفئاتِ القليلةِ غالبٌ الفئاتِ الكثيرةَ.
وفي اشتقاق «فئة» قولان:
أحدهما: أنها من فاء يَفِيء، أي: رجع فَحُذِفَتْ عينُها ووزنُها فِلَة.
والثاني: أَنَّها مِنْ فَأَوْتُ رأسَه أي: كسرتُه، فحُذِفت لامُها ووزنُها فِعَة كمئة، إِلَاّ أَنَّ لامَ مئة ياءٌ، ولامَ هذه واوٌ، والفِئَةُ: الجماعةُ من النَّاسِ قلَّت، أو كثرت، وهي جمعٌ لا واحد له من لفظه، وجمعها: فئات وفئون في الرَّفع، وفئين في النَّصب والجرِّ، ومعناها على كلٍّ من الاشتقاقين صحيحٌ، فإنَّ الجماعَةَ من النَّاسِ يَرْجِعُ بعضهم إلى بعضٍ، وهم أيضاً قطعةٌ من النَّاسِ كقطَعِ الرَّأْسِ المكسَّرة.
قوله: {بِإِذْنِ الله} فيه وجهان.
أَظهرهُمَا: أنَّه حالٌ فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، والتَّقدير: ملتبسين بتيسير الله لهم.
والثاني: أَنَّ الباءَ للتَّعْدية، ومجرورها مفعولٌ به في المعنى، ولهذا قال أبو البقاء: «وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَها مَفْعُولاً به» .
وقوله: {والله مَعَ الصابرين} مبتدأٌ وخبرٌ، وتحتمِل وجهين:
أحدهما: أن يكون محلُّها النَّصْبَ على أنها من مقولهم.
والثاني: أنَّها لا محلَّ لها من الإِعراب، على أَنّها استئنافٌ أَخْبَرَ اللهُ تعالى بها.
فصل في المقصود بالظن في الآية
اختلفوا في الظن المذكور في قوله تعالى: {قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُواْ الله} . وذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: قال قتادة: المراد من لقاء الله الموت. قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «مَنْ