الله تعالى، وقد جاء في القرآن، مكالمة بين الله، وبين إبليس، حيث قال: {فَأَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} إلى آخر الآيات [الحجر: ٣٦ - ٣٨] وظاهرها يدلُّ على مكالمة كثيرة بين اللهِ، وبين إبليس، فإن كان ذلك يوجب غاية الشَّرف، فكيف حصل لإبليس؟ فإن لم يوجب شَرَفاً، فكيف ذكره في معرض التَّشريف لموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حيث قال:
{وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً} [النساء: ١٦٤] .
فالجواب: من وجهين:
أحدهما: أَنَّهُ ليس في قِصَّة إبليس ما يدلُّ على أَنَّ الله تعالى قال في تلك الأجوبة معه من غير واسطة، فلعلَّ الواسطة كانت موجودة.
الثاني: هَبْ أَنَّهُ كان من غير واسطةٍ، ولكن مكالمة بالطَّرد واللَّعن فإِنَّ الله يكلِّم خاصَّتَهُ بما يحبُّونَ من التَّقرُّب والإكرام، ويكلّم من يَهينُهُ بالطَّرْدِ واللَّعْنِ والكلام الموحش فإنه وإِن كان منهما مكالمة لكن إحداهما توجب التَّقرُّبَ والتَّشريف والإكرام، والأخرى تُوجِبُ البُعدَ، والإِهانة والطَّرد.
قوله: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} .
في نصبه ستَّةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحال.
الثاني: أَنَّهُ حالٌ على حذفِ مُضَافٍ، أي: ذوي درجاتٍ.
الثالث: أَنَّهُ مفعولٌ ثانٍ ل «رفع» على أَنَّهُ ضُمِّنَ معنى بلَّغ بعضهم درجات.
الرابع: أنه بدلُ اشتمالٍ، أي: رفع درجاتٍ بعضهم، والمعنى: على درجاتِ بعض.
الخامس: أنه مصدرٌ على معنى الفعل لا لفظه؛ لأَنَّ الدّرجة بمعنى الرَّفعة، فكأنه قيل: ورَفَع بعضهم رَفعاتٍ.
السادس: أنه على إِسْقاط الخافضِ، وذلك الخافضُ يَحْتمل أن يَكُون «عَلَى» أو «فِي» ، أو «إلى» تقديره: على درجاتٍ أو في درجاتٍ أو إلى درجات، فلمَّا حُذِفَ حرفُ الجر انتصَبَ ما بعده.
فصل في المراد بالدَّرجات
في تلك الدَّرجات وجوهٌ:
أحدها: أَنَّ المُراد منه بيان أَنَّ مراتِب الرُّسل، ومناصبهم متفاوتة؛ وذلك لأَنَّه تعالى اتَّخَذ إبراهيم خَلِيلاً، ولم تكن هذه الفضيلة لغيره وجمع لِدَاوُد بين المُلْكِ، والنُّبوَّةِ، ولم يحصل هذا لغيره، وسخَّر لِسُليمان الجِنّ والإنس، والطير، والريح، ولم يحصل هذا