التَّقاتل والاختلاف. والضَّمير في «جَاءَتْهم» يعود على الَّذشين من بعدهم، وهم أمم الأنبياء.
فصل
تعلق هذه الآية بما قبلها: أنَّ الرسل - عليهم الصَّلاة والسَّلام - لما جاءوا بالبيِّنات، وأوضحوا الدَّلائل، والبراهين، اختلف أقوامهم فمنهم من آمن، ومنهم من كفر وبسبب ذلك الاختلاف تقاتلوا، وتحاربوا، ولو شاء الله ألَاّ يقتتلوا لم يقتتلوا.
واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّ الحوادث إنَّما تحدث بقضاء الله وقدره.
ثم قال:{ولكن اختلفوا فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} وإذا اختلفوا، فلا جرم اقتتلوا.
وهذه الآية دالَّةٌ على أنَّ الفعل لا يقع إلَاّ بعد حصول الدَّاعي؛ لأنَّه بيَّن أن الاختلاف مستلزم للتقاتل، والمعنى: أنَّ اختلافهم في الدِّين يدعو إلى المقاتلة، وذلك يدلُّ على أنَّ المقاتلة لا تقع إلا لهذا الدَّاعي، ومتى ثبت ذلك ظهر أن الكلَّ بقضاء الله وقدره؛ لأنَّ الدَّواعي تستند لا محالة إلى داعية خلق الله تبارك وتعالى في العبد دفعا للتَّسلسل، فكانت هذه الآية دالة من هذا الوجه أيضاً على صحَّة هذا المذهب.
قوله:{ولكن اختلفوا} وجه الاستدراك واضحٌ، فإنَّ «لَكِنْ» واقعةٌ بين ضدّين، إذ المعنى: ولو شاء الله الاتِّفاق لاتَّفقوا؛ ولكن شاء الاختلاف فاختلفوا. وقال أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ:«لكنْ» استدراك لما دلَّ الكلام عليه، لأنَّ اقتتالهم كان لاختلافهم، ثم بيَّن الاختلاف بقوله:{فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} ، فلا محلَّ حينئذٍ لقوله:{فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ} .
وكسرت النُّون من {ولكن اختلفوا} لالتقاء السَّاكنين ويجوز حذفها في غير القرآن الكريم، وأنشد سيبويه:[الطويل]