أحدهما: أنها الجملة الأولى كرِّرت تأكيداً قاله الزمخشري.
وقال الواحدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما كرَّر ذلك تأكيداً للكلام، وتكذيباً لمن زعم أنهم فعلوا ذلك من عند أنفسهم ولم يجر به قضاء من الله، ولا قدر.
الثاني: أنها ليست لتأكيد الأولى، بل أفادت فائدة جديدة، والمغايرة حصلت بتغاير متعلَّقهما، فإنَّ متعلَّق الأولى مغايرٌ لمتعلَّق المشيئة الثانية، والتقدير في الأولى: وَلَوْ شَاءَ اللهُ أن يحول بينهم وبين القتال بأن يسلبهم القوى والعقول، وفي الثانية: ولو شاء لم يأمر المؤمنين بالقتال، ولكن شاء أمرهم بذلك.
قوله:{ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من اختلافهم، فيوفق من يشاء، ويخذل من يشاء لا اعتراض عليه في فعله، وهذه الآية دالَّةٌ على أنَّه تعالى هو الخالق لإيمان المؤمنين، والخصم يساعد على أنه تعالى يريد الإيمان من المؤمن.
ودلت الآية على أنه يفعل كل ما يريد، فوجب أن يكون الفاعل لإيمان المؤمن هو الله تعالى، ولما دلَّت على أنه يفعل ما يريد، فلو كان يريد الإيمان من الكفَّار لفعل فيهم الإِيمان، ولكانوا مؤمنين، ولما لم يكن كذلك، دلَّ على أنَّه تعالى لا يريد الإيمان منهم فدلَّت الآية على مسألة خلق الأعمال وعلى مسألة إرادة الكائنات.
وقالت المعتزلة: يفعل كل ما يريد من أفعال نفسه، وهذا ضعيفٌ لوجهين:
أحدهما: أنه تقييدٌ للمطلق.
والثاني: أنَّه على هذا التّقييد تصير الآية من باب إيضاح الواضحات؛ لأنه يصير معنى الآية: أنَّه يفعل ما يفعله.
سأل رجل عليَّ بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: يا أمير المؤمنين؛ أخبرني عن القدرِ! فقال: طريقٌ مظلمٌ فلا تسلكه. فأعاد السُّؤال فقال: بحرٌ عميقٌ لا تلِجْه، فأعاد السُّؤال، فقال:«سِرُّ الله في الأَرْضِ، قَد خَفِي عَلَيْكَ، فَلَا تَفْتِشْهُ» .