للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والمقصود من هذا الكلام: أنَّه عالم بأحوال الشَّافع، والمشفوع له، فيما يتعلَّق باستحقاق الثَّواب والعقاب؛ لأنَّه عالمٌ بجميع المعلومات لا يخفى عليه شيءٌ والشُّفعاء لا يعلمون من أنفسهم أنَّ لهم من الطَّاعة ما يستحقُّون به هذه المنزلة العظيمة عند الله، ولا يعلمون أنَّ الله هل أذن لهم في تلك الشَّفاعة، أم لا.

قوله: {بِشَيْءٍ} متعلِّقٌ ب «يحيطون» . والعلم عنا بمعنى المعلوم؛ لأنَّ علمه تعالى الذي هو صفةٌ قائمةٌ بذاته المقدَّسة لا يتبعَّض، ومن وقوع العلم موقع المعلوم قولهم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا» وحديث موسى، والخَضِر - عليهما الصَّلاة والسَّلام - «مَا نَقَص علمي وعلمُك من علمه إلَاّ كَمَا نقص العُصْفُورُ من هذا البَحْر» ولكون العلم بمعنى المعلوم، صحَّ دخول التَّبعيض، والاستثناء عليه. و «مِنْ عِلْمِهِ» يجوز أن يتعلَّق ب «يحيطون» ، وأن يتعلَّق بمحذوف لأنه صفة لشيء، فيكون في محلِّ جر. و «بمَا شَاءَ» متعلِّقٌ ب «يحيطون» أيضاً، ولا يضرُّ تعلُّق هذين الحرفين المتَّحدين لفظاً ومعنًى بعاملٍ واحدٍ؛ لأنَّ الثاني ومجروره بدلان من الأول، بإعادة العامل بطرق الاستثناء، كقولك: «مَا مَرَرْتُ بأحدٍ إلَاّ بِزَيْدٍ» ، ومفعول «شَاءَ» محذوفٌ تقديره: إلا بما شَاءَ أن يحيطوا به، وإنما قدَّرته كذلك لدلالة قوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} .

فصل

هؤلاء المذكورون في هذه الآية يحتمل أن يكونوا هم الملائكة، ويحتمل أن يكونوا الملائكة وسائر من يشفع يوم القيامة من النَّبيين، والصِّديقين والشهداء والصالحين.

وفي معنى الاستثناء قولان:

أحدهما: أنَّهم لا يعلمون شيئاً من معلوماته إلا ما أراد هو أن يعلمهم كما قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَآ} [البقرة: ٣٢] .

الثاني: أنَّهم لا يعلمون الغيب إلَاّ بما شاء أن يطلع بعض أنبيائه على بعض الغيب كقوله تعالى {عَالِمُ الغيب فَلَا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلَاّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧] .

قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} : الجمهور على «وَسِعَ» بفتح الواو وكسر السِّين وفتح العين فعلاً ماضياً.

و «كُرْسِيُّه» بالرَّفع على أنَّه فاعله، وقرئ «وَسْعَ» سكَّن عين الفعل تخفيفاً نحو: عَلْمَ في عَلِمَ. وقرئ أيضاً: «وَسْعُ كُرْسِيِّه» بفتح الواو وسكون السين ورفع العين على الابتداء، و «كُرْسِيِّه» خفضٌ بالإضافة «السَّمَوَاتُ» رفعاً على أنه خبر للمبتدأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>