فمنهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام فنزلت {لَا إِكْرَاهَ فِي الدين ...
} .
وقال مسروقٌ: كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصّران قبل مبعث النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم قدما المدينة في نفر من النَّصارى يحملون الطَّعام فلزمهما أبوهما، وقال لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال:«يَا رَسُولَ الله أَيَدْخُلُ بعضي النَّار وأنا أَنْظُرُ، فأنزل الله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدين} ، فخلى سبيلهما.
وقال قتادة وعطاء: نزلت في أهل الكتاب إذا قبلوا الجزية، وذلك أنَّ العرب كانت أُمَّة أمّية لم يكن لهم كتاب، فلم يقبل منهم إلَاّ الإسلام، فلما أسلموا طوعاً، أو كرهاً؛ أنزل الله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدين} ؛ فأمر بقتال أهل الكتاب إلى أن يسلموا، أو يقرُّوا بالجزية، فمن أعطى منهم الجزية، لم يكره على الإسلام.
وقال ابن مسعود كان هذا في ابتداء الإسلام، قبل أن يؤمر بالقتال، فصارت منسوخة بآية السَّيف. ومعنى {تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} ، أي: تميَّز الحقّ من الباطل، والإيمان من الكفر، والهدى من الضّلالة بالحجج والآيات الظَّاهرة.
قوله:{بالطاغوت} متعلِّقٌ ب» يَكْفر «، والطاغوت بناء مبالغةٍ كالجبروت والملكوت. واختلف فيه، فقيل: هو مصدرٌ في الأصل، ولذلك يوحَّد ويذكَّر، كسائر المصادر الواقعة على الأعيان، وهذا مذهب الفارسيّ، وقيل: هو اسم جنس مفردٍ، فلذلك لزم الإفراد والتَّذكير، وهذا مذهب سيبويه رَحِمَهُ اللَّهُ. وقيل هو جمعٌ، وهذا مذهب المبرّد، وهو مؤنّث لقوله تعالى {والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت}[البقرة: ٢٥٧] قال أبو علي الفارسي: وليس الأمر كذلك، لأن» الطَّاغُوتَ «مصدر كالرّغبوت، والرَّهبوت، والملكوت، فكما أنَّ هذه الأسماء آحاد، كذلك هذا الاسم مفردٌ، وليس بجمع ومما يدلّ على أنَّه مصدر مفرد وليس بجمع قوله تبارك وتعالى:{أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} ، فأفرد في موضع الجمع، كما يقال هم رضاً، وهم عدل انتهى. وهو مؤنَّث لقوله تعالى {والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا}[الزمر: ١٧] .