للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل فيمن قال: كم لبثت

أجمعوا على أن ذلك القائل هو الله تعالى؛ لأنَّ ذلك الخطاب كان مقروناً بالمعجز، ولأنه بعد الإحياء شاهد من أحوال حماره، وظهور البلى في عظامه، ما عرف به أنَّ تلك الخوارق لم تصدر إلَاّ من الله تعالى.

وقيل: سمع هاتفاً من السماء، يقول له ذلك.

وقيل: خاطبه جبريل، وقيل: نبيٌّ.

وقيل: مؤمنٌ شاهده من قومه عند موته، وعمِّر إلى حين إحيائه.

قال القرطبي: والأظهر أنَّ القائل هو الله - عَزَّ وَجَلَّ -، لقوله تعالى: {وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً} .

فإن قيل: إنه تعالى كان عالماً بأنه كان مَيْتاً، والميِّت لا يمكنه بعد أن صار حيّاً أن يعلم مدَّة موته طويلةً كانت أم قصيرةً؛ فلأيِّ حكمةٍ سأله عن مقدار المدة؟

فالجواب: أنَّ المقصود منه التنبيه على حدوث ما حدث من الخوارق، بقوله: {لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} على حسب ظنِّه؛ كما روي في القصة: أنه أماته ضحًى، وأحياه بعد المائة قبل غروب الشمس؛ فظن أنَّ اليوم لم يكمل، كما حكي عن أصحاب الكهف: {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: ١٩] على ما توهَّموه، ووقع في ظنِّهم.

وقول إخوة يوسف {ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] وإنما قالوا ذلك؛ بناءً على إخراج الصُّواع من رحله.

قوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} هذه الجملة في محلِّ نصب على الحال، وزعم بعضهم: أنَّ المضارع المنفيَّ ب «لَمْ» إذا وقع حالاً، فالمختار دخول واو الحال؛ وأنشد: [الطويل]

١٢٠١ - بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَشِيْمُوا سُيُوفَهُمْ ... وَلَمْ تَكْثُرِ القَتْلَى بِهَا حِينَ سُلَّتِ

وزعم آخرون: أنَّ الأولى نفي المضارع الواقع حالاً بما، ولمَّا. وهذان الزَّعمان غير صحيحين؛ لأنَّ الاستعمالين واردان في القرآن، قال تعالى: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء} [آل عمران: ١٧٤] ، وقال تعالى: {أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}

[الأنعام: ٩٣] فجاء النفي ب «لم» مع الواو ودونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>