أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج: ٥] والمراد من ربوها ما ذكرنا، فكذا ها هنا.
وأيضا فإنه تبارك وتعالى ذكر هذا المثل في مقابلة المثل الأول، وهو الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر، ولا يربو، ولا ينمو؛ بسبب نزول المطر عليه، فكان المراد بالربوة في هذا المثل كون الأرض بحيث تربو، وتنمو والله أعلم.
قال ابن عطية: ورياض الحزن لست من هذا، كما زعم الطبري؛ بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد؛ لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر، ونسيمه أبرد وأرق، ونجد يقال لها حزن وقلما يصلح هواء تهامة إلا بالليل، ولذلك قالت الأعرابية: " زوجي كليل تهامة ".
قوله: " أصابها وابل " هذه الجملة فيها أربعة أوجه:
أحدها: أنها صفة ثانية لجنة، وبدئ هنا بالوصف بالجار والمجرور، ثم بالجملة؛ لأنه الأكثر في لسانهم؛ لقربه من المفرد، وبدئ بالوصف الثابت المستقر وهو كونها بربوة، ثم بالعارض، وهو إصابة الوابل. وجاء قوله في وصف الصفوان بقوله: " عليه تراب " ثم عطف على الصفة " فأصابه وابل " وهنا لم يعطف بل أخرج صفة.
والثاني: أن تكون صفة ل " ربوة ".
قال أبو البقاء: " لأن الجنة بعض الربوة " كأنه يعني أنه يلزم من وصف الربوة بالإصابة، وصف الجنة به.
الثالث: أن تكون حالا من الضمير المستكن في الجار؛ لوقوعه صفة.
الرابع: أن تكون حالا من " جنة "، وجاز ذلك؛ لأن النكرة قد تخصصت بالوصف.
قوله: " فآتت أكلها " أي أعطت و" أكلها " فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الأصح أن " آتت " تتعدى لاثنين، حذف أولهما وهو " صاحبها "، أو " أهلها ". والذي حسن حذفه، أن القصد الإخبار عما تثمر، لا عمن تثمر له؛ ولأنه مقدر في قوله: " كمثل جنة " أي: غارس جنة، أو صاحب جنة؛ كما تقدم. و" أكلها " هو المفعول الثاني. و" ضعفين " نصب على الحال من " أكلها ".
والثاني: أن " ضعفين " هو المفعول الثاني، وهذا غلط.
والثالث: أن " آتت " هنا بمعنى أخرجت، فهو متعد لمفعول واحد. قال أبو البقاء: " لأن معنى " آتت ": أخرجت، وهو من الإتاء، وهو الريع ". قال أبو حيان:
"