للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهما مشركتان؛ فقالت: لا أُعطيكما حتى أستأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإنَّكما لستما على ديني، فاستأمرته في ذلك؛ فنزلت هذه الآية؛ فأمرها رسول الله - صلى الله لعيه وسلم - أن تتصدق عليهما.

الثاني: كان أُناسٌ من الأنصار، لهم قرابةٌ من قريظة والنَّضير، وكانوا لا يتصدقون عليهم، ويقولون ما لم تسلموا لا نعطيكم شيئاً؛ فنزلت هذه الآية الكريمة.

الثالث: قال سعيد بن جبير: كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين، نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن التصدق على المشركين؛ كي تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام؛ فنزلت الآية الكريمة فتصدق عليهم والمعنى على جميع الروايات: ليس عليك هدى من خالفك؛ حتى تمنعهم الصدقة؛ لأجل أن يدخلوا في الإسلام، فتصدقْ عليهم، لوجه الله، ولا توقف ذلك على إسلامهم، والمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، وأما هداية البيان، والدعوة، فكان على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وظاهر هذه الآية أنها خطابٌ مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولكن المراد به هو، وأُمَّته؛ ألا تراه قال: {إِن تُبْدُواْ الصدقات} [البقرة: ٢٧١] وهذا عامٌّ، ثم قال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} وظاهره خاصٌّ، ثم قال بعده {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ} وهذا عامٌّ، فيفهم من عموم ما قبل الآية الكريمة، وعموم ما بعدها: عمومها أيضاً.

فَصْلٌ في بَيان هدايةِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ

دلَّت هذه الآية الكريمة على أن هداية الله تبارك وتعالى غير عامَّةٍ، بل هي مخصوصة بالمؤمنين، لأن قوله تعالى: {ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} إثباتٌ للهداية المنفيَّة بقوله: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} ولكنَّ المنفي بقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} هو حصول الاهتداء، على سبيل الاختيار، فكان قوله: {ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} عبارةٌ عن حصول الاهتداء على سبيل الاختيار، وهذا يقتضي أن يكون الاهتداء الحاصل بالاختيار واقعاً بتقدير الله تعالى، وتخليقه وتكوينه؛ وهو المطلوب.

وحمله المعتزلة على أنه يهدي بالإثابة، والألطاف، وزيادة الهدى؛ وهو مردودٌ بما قررناه.

قوله: {فَلأَنْفُسِكُمْ} خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي: فهو لأنفسكم شرط وجوابه، «والخَيْرُ» في هذه الآية المال؛ لأنه اقترن بذكر الإنفاق، فهذه القرينة تدل على أنه المال، ومتى لم يقترن بما يدلُّ على أنه المال، فلا يلزم أن يكون بمعنى المال؛ نحو قوله: {خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} [الفرقان: ٢٤] وقوله: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>