أحدهما: أنه مفعولٌ من أجله، أي: لأجل ابتغاء وجه الله، والشروط هنا موجودةٌ.
والثاني: أنه مصدرٌ في محلّ الحال، أي: إلَاّ مبتغين، وهو في الحالين استثناءٌ مفرَّغٌ، والمعنى: وما تنفقون نفقة معتداً بقبولها؛ إلَاّ ابتغاء وجه [الله] ، أو يكون المخاطبون بهذا ناساً مخصوصين، وهم الصحابة، لأنهم كانوا كذلك، وإنما احتجنا إلى هذين التأويلين؛ لأنَّ كثيراً ينفق لابتغاء غير وجه الله.
قال بعض المفسرين: هذا جحدٌ لفظه نفيٌ، ومعناه نفيٌ، أي: لا تنفقوا إلَاّ ابتغاء وجه.
وقوله:{يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} جواب الشرط، وقد تقدَّم أنه يقال:«وَفَّى» بالتشديد و «وَفَى» بالتخفيف و «أَوْفَى» رباعياً.
وإنما حسن قوله:«إِلَيْكُمْ» مع التوفيه؛ لأنها تضمَّنت معنى التَّأدية، ومعناه يوفّ لكم جزاؤه في الآخرة.
وقوله:{وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} جملةٌ من مبتدأ، وخبرٍ: في محلِّ نصبٍ على الحال من الضمير في «إِلَيْكُمْ» ، والعامل فيها «يُوَفَّ» ، وهي تشبه الحال المؤكَّدة؛ لأنَّ معناها مفهومٌ من قوله:«يُوَفَّ إِلَيْكُم» ؛ لأنهم إذا وفُّوا حقوقهم، لم يظلموا. ويجوز أن تكون مستأنفة لا محلَّ لها من الإعراب، أخبرهم فيها أنه لا يقع عليهم ظلمٌ، فيندرج فيه توفية أجورهم؛ بسبب إنفاقهم في طاعة الله تعالى، اندراجاً أوَّلياً.
فصل في المراد من الآية
في معنى الآية وجوه:
الأول: أن معناه: ولستم في صدقتكم على أقاربكم من المشركين لا تقصدون إلَاّ وجه الله تعالى، وقد علم الله هذا من قلوبكم، فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك وجه الله تعالى في صلة رحم، وسدِّ خلَّة مضطر، وليس عليكم اهتداؤهم، حتى يمنعكم ذلك من الإنفاق عليهم.
الثاني: أن هذا وإن كان ظاهره خبراً، إلَاّ أن معناه النهي، أي: ولا تنفقوا إلَاّ ابتغاء وجه الله وورود الخبر بمعنى الأمر، والنهي كثير؛ قال تعالى:{والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}[البقرة: ٢٣٣]{والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ}[البقرة: ٢٢٨] .