احتجوا بهذه الآية على فساد القول بالمحابطة؛ لأنَّه - تعالى - أثبت كلا الأمرين على سبيل الجمع، فبيَّن أن لها ثواب ما كسبت، وعليها عقاب ما اكتسبت، وهذا صريحٌ في اجتماع هذين الاستحقاقين، وأنه لا يلزم من طريان أحدهما زوال الآخر.
قال الجبَّائي: ظاهر الآية وإن دلَّ على الإطلاق، إلَاّ أنَّه مشروطٌ، والتَّقدير: لَهَا مَا كَسَبَتْ مِنْ ثَوَابِ العَمَلِ الصَّالِح إذا لم يبطله، وعليها ما اكتَسَبَتْ مِن العَقَاب إذا لَمْ يُكَفِّرْه بالتَّوبة، وإنَّمَا صِرْنَا إلى إضْمَارِ هذا الشَّرط، لمَّا ثبت أن الثَّواب يجب أن يكون منفعةً خالصةً دائمةً، والجمع بينهما محالٌ في العقول، فكان الجمع بين استحقاقيهما أيضا محالٌ.
فصل
تمسَّك الفقهاء بهذه الآية في أنَّ الأصل في الأملاك البقاء والاستمرار؛ لأن اللام في قوله:{مَا كَسَبَتْ} تدلُّ على ثبوت الاختصاص، ويؤكِّد ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «كُلُّ امْرِىءٍ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وسَائِر النَّاسِ أَجْمَعِينَ» ، وينبني على هذا الأصل فروع كثيرة:
منها: أن المضمونات لا تملك إلَاّ بأداء الضَّمان؛ لأن المقتضي لبقاء الملك قائمٌ.
ومنها: إذا غصب ساجةً فأدرجها في بنائه، أو حنطةً فطحنها، لا يزول الملك.
ومنها: أن القطع في السَّرقة لا يمنع وجوب الضَّمان؛ لأن المقتضي لبقاء الملك قائمٌ، وهو قوله:{لَهَا مَا كَسَبَتْ} ويجب ردُّ المسروق إن كان باقياً.