قوله:{لَا تُؤَاخِذْنَا} يقرأ بالهمزة، وهو من الأخذ بالذَّنب، ويقرأ بالواو، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الأخذ أيضاً، وإنما أُبدلت الهمزة واواً؛ لفتحها وانضمام ما قبلها، وهو تخفيفٌ قياسيٌّ، ويحتمل أن يكون من: واخذه بالواو، قاله أبو البقاء. وجاء هنا بلفظ المفاعلة، وهو فعل واحدٍ؛ لأنَّ المسيء قد أمكن من نفسه، وطرق السبيل إليها بفعله؛ فكأنه أعان من يعاقبه بذنبه، ويأخذ به على نفسه.
قال ابن الخطيب: وعندي فيه وجهٌ آخر، وهو أنَّ الله تعالى يأخذ المذنب بالعقوبة، فالمذنب كأنَّه يأخذ ربَّه بالمطالبة بالعفو والكرم، فإنَّه لا يجد من يخلِّصه من عذابه إلَاّ هو، فلهذا يتمسَّك العبد عند الخوف منه به، فلمَّا كان كلُّ واحدٍ منهما يأخذ الآخر، عبَّر عنه بلفظ المؤاخذة، ويجوز أن يكون من باب سافرت وعاقبت وطارقت.
قوله:{إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} .
في النِّسيان وجهان:
الأول: أنَّ المراد النِّسيان الذي هو ضدُّ الذِّكر.
فإن قيل: أليس فعل النَّاسي في محلِّ العفو بحكم دليلِ العقل؛ حيث لا يجوز تكليف ما لا يطاق، وبدليل السَّمع؛ وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وإن كان كذلك، فما معنى طلب العفو عنه؟
فالجواب من وجوهٍ:
الأول: أن النِّسيان منه ما يعذر فيه صاحبه، ومنه ما لا يعذر؛ ألا ترى أنَّ من رأى في ثوبه نجاسة، فأخَّر إزالتها عنه إلى أن نسي فصلَّى وهي على ثوبه، عدَّ مقصِّراً؛ إذ كان يلزمه المبادرة إلى إزالتها، وأمَّا إذا لم ير في ثوبه نجاسة، فإنه يعذر فيه، ومن رمى صيداً فأصاب إنساناً، فقد يكون بحيث لا يعلم الرَّامي أنه يصيب ذلك الصَّيد أو غيره، فإذا رمى ولم يحترز، كان ملوماً، وأمَّا إذا لم تكن أمارات الغلط ظاهرةٌ، ثم رمى فأصاب إنساناً؛ كان ههنا معذوراً، وكذلك الإنسان إذا تغافل عن الدَّرس والتِّكرار، حتى نسي القرآن يكون ملوماً، وأمَّا إذا واظب على القراءة ونسي القرآن، فههنا يكون معذوراً؛ فثبت أن النِّسيان على قسمين: منه ما يعذر فيه، ومنه ما لا يعذر فيه، وهو ما إذا ترك التَّحفُّظ،